للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قبضة المسلمين، وغذت روما بقداستها- والتي كانت ذات يوم حاضرة العالم- مدينة تنعي اطلالها. وعلى ما يقرب من مائتين وخمسين ميلاً كانت جزيرة صقلية تحت الحكم الإسلامي (١). بل إن الجيب البيزنطي المتبقي على أرض الشرق في آسيا الصغرى كان قد بدأ يقع تحت هجمات السلاجقة وهي الهجمات التي أدَّت في نهاية الأمر لسقوط الدولة البيزنطية، وكذلك القسطنطينية، على يد العثمانيين. وقد هُزم جيش بيزنطي بقيادة الإمبراطور رومانوس ديجينيس هزيمة ساحقة على يد السلاجقة بقيادة ألب أرسلان في مانزيكريت في أرمينيا. ثم استمر التوسع السلجوقي، فتم الاستيلاء على أنطاكية عام١٠٨٥، الأمر الذي اضطر الإمبراطور أليكسيوس كومنينوس إلى أن يطلب العون من الغرب حيث لم يجد آذاناً صاغية وحسب بل شهية مفتوحة (٢).

وهكذا بدأت أوروبا تشهد في القرن الحادي عشر الميلادي حالة من النهضة، ومحاولات للتخلص من الشعور بالدونية تجاه المسلمين الأشد منهم بأساً والأرقى ثقافة، وبدؤوا يحاولون بناء ذات جديدة ويشعرون بثقة جديدة. وهكذا كانت الحملات الصليبية جزءا أساسياً من هذه العملية، وعبرت تماماً عن الروح الغربية الجديدة. إن اختلاق عدو إجراء بالغ الأهمية كوسيلة لتطوير هوية جديدة، وقد وفر المسلمون ذلك العدو الكامل، وإن كان من الواضح أن الفرنجة لم تكن لهم حتى ذلك الحين أية مآخذ على المسلمين، ولم يكونوا يعرفون شيئاً عن الديانة الإسلامية سوى أن المسلمين غير مسيحيين وأنهم مقاتلون أشداء، ومن شأن التغلب عليهم أن يعلي كثيراً من شأن الفرنجة (٣).

ويرى الاستاذ عبد الوهاب المسيرى وغيره من الباحثين ان هناك مركب من الاسباب المادية والمعنوية والدينية ادت إلى قيام الحروب الصليبية مثل انهيار الاقتصاد الغربي بعد سقوط الامبراطورية البيزنطية، وزيادة نفوذ المدن الايطالية،


(١) تاريخ اوروبا في العصور الوسطى - تأليف: موريس بيشوب - ترجمة على السيد على - ص ٤٧ - المجلس الاعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة- الطبعة الأولى ٢٠٠٥
(٢) الموسوعة الصهيونية - المجلد الثاني د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص ١٠١
(٣) الحرب المقدسة .. الحملات الصليبية وأثرها على العالم اليوم- كارين أرمسترونغ-عرض/ إبراهيم غرايبة

<<  <  ج: ص:  >  >>