وزيادة عدد السكان (١)، وظهور نوع من الاستقرار السياسى في اوروبا الذى سهل من امكانيات تجريد حملات عسكرية، هذا بالاضافة إلى اسباب اخرى، ولكننا هنا سنركز على الاسباب الدينية لهذه الحملات والتي يمكن اجماله فيما يلى:
١. حدث بَعْث ديني حقيقي في بداية القرن العاشر الميلادي. ويمكن القول بأن حروب الصليبيون تعود إلى ما يُسمَّى (الإصلاح الكلوني) وهي حركة إحياء دينية بدأت عام ٩١٠ في مدينة كلوني بفرنسا، وأكدت تَفوُّق سلطة الكنيسة على السلطة الدنيوية. وقد تزامنت حروب الصليبيون مع المجامع اللاترانية الأربعة في أعوام ١١٢٣، ١١٣٩، ١١٧٩، ١٢١٥ على التوالي. وهي المجامع التي بلورت موقف الكنيسة من عدة قضايا، منها تحريم الربا وتحديد وضع اليهود وكثير من علاقات الكنيسة بالسلطة الدنيوية. ولعبت الكنيسة دوراً أكثر نشاطاً في الحياة الدنيوية، وأخذت تؤكد نفسها بشكل أكثر جرأة. وقد أُعيدت صياغة البنية الكهنوتية وهو ما سمح للبابوات بأن يلعبوا دوراً أكثر فعالية. ووجدت الكنيسة في حروب الصليبيون فرصة مواتية لزيادة نفوذها وتسريب طاقة الأمراء والملوك القتالية إلى الشرق، ولتحقيق السلام والاستقرار في الغرب المسيحي. ومما له دلالته أن مجلس كليرمون (عام ١٠٩٥)، الذي اتخذ القرارات التي بدأت حملات الصليبيون على الشرق، جدد ما يُسمَّى (هدنة الرب) في الغرب! وقد وجدت الكنيسة الرومانية أن تجريد حملة تحت سلطتها، لمساعدة الدولة البيزنطية، قد يسرع بتحقيق حلم روما القديم بإخضاع الكنيسة البيزنطية.
٢. شهدت الفترة التي سبقت حروب الصليبيون تزايد حركة الحج. وكانت أهم المزارات روما حيث يُوجد ضريح لكلٍّ من بطرس وبولس، وكذلك ضريح سنتياجو دي كومبوستلا في شمال غربي إسبانيا. ولكن أهم المزارات جميعاً كانت هي القدس حيث تضم كنيسة القيامة. ولم يكن الحج عملاً من أعمال التقوى وحسب، وإنما أصبح وسيلة للتكفير عن الذنوب. بل كان القساوسة يوصون في بعض الأحيان، بالحج لمن يرون أنه اقترف إثماً فاحشاً. وكان الحجاج يرجعون بقصص عن مدى ثراء
(١) تاريخ اوروبا في العصور الوسطى - تأليف: موريس بيشوب - ترجمة على السيد على - ص ٤٨ - المجلس الاعلى للثقافة (المشروع القومي للترجمة- الطبعة الأولى ٢٠٠٥