للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اعلم أن السابق بالخيرات هو الذي يرضي بالقضاء قبل نزوله، والمقتصد هو الذي يرضي به عند نزوله، والظالم الذي يرضي به بعد نزوله؛ وقال الحسن البصري: السابق بالخيرات هو الذي زادت حسناته على سيئاته والمقتصد هو الذي استوت حسناته وسيئاته والظالم الذي زادت سيئاته على حسناته، وقيل: غير ذلك (١)، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موت ابنه إبراهيم: "يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا ما يرضي الرب" (٢) فإن موت البنين من العوارض التي توجب للعبد السخط على القدر فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يقول في مثل هذا المقام الذي يسخط أكثر الناس فيتكلمون بما لا يرضي الله عز وجل ويفعلون ما لا يرضيه إلا ما يرضي ربنا تبارك وتعالى، ولهذا لما مات ابن الفضيل بن عياض رئي في الجنازة ضاحكًا، فقيل له: تضحك! وقد مات ابنك، فقال: إن الله تعالى قضى بقضاء فأحببت أن أرضي بقضائه فأنكرت طائفة هذا على الفضيل وقالوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بكى يوم مات ابنه وأخبر: "إن القلب يحزن والعين تدمع" وهو في أعلا مقامات الرضي فكيف يعد هذا في مناقب الفضيل، والتحقيق أن قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتسع لتكميل المراتب من الرضى عن الله تعالى والبكاء رحمة للصبي فكان له مقام الرضى ومقام الرحمة ورقة القلب والفضيل لم يتسع لذلك مغيبة مقام الرضى عن مقام الرحمة فلم يجتمع له الأمران والناس في ذلك على أربع مراتب أحدها: من


(١) تفسير البغوى (٦/ ٤٢٢) وتفسير ابن عطية (٤/ ٤٣٩) وتفسير القرطبى (١٤/ ٣٤٨).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٠٣)، ومسلم (٦٢ - ٢٣١٥) عن أنس.