للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} (١)، وفى موضعٍ: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} (٢)، وفى موضع: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} (٣)، وهذه الأَلفاظ راجعة إِلى أَصل واحد، وهو التُّراب الذي هو أَصل الطِّين، فأعلمنا اللّه عزّ وجلّ أنه خُلِقَ من تراب جُعِلَ طينًا، ثمّ انتقل فصار كالحَمَأِ المَسْنُون، ثمّ انتقل فصار صَلْصالًا كالفخّار. ولقد أحسن الزجاج رحمه اللّه؛ قال الإمام أبو إسحاق الثعالبي (٤) في قول اللّه عز وجل إخبارًا أن إبليس قال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} (٥) قال الحكماء: أخطأ عدو اللّه في تفضيله النار على الطين لأن الطين أفضل منها من أوجه، أحدها: أنه من جوهر الطين الرزانة، والسكون، والوقار، والحلم، والأناة، والحياء، والصبر، وذلك سبب توبة آدم وتواضعه وتضرعه، فأورثه المغفرة، والاجتباء، والهداية. وجوهر النار الخفة، والطيش، والحدة، والارتفاع، والاضطراب، وذلك سبب استكبار إبليس فأورثه اللعنة والهلاك.

والثاني: أن الجنة موصوفة بأن ترابها مسك، ولم ينقل أن فيها نارًا؛ الثالث: أنها سبب العذاب بخلاف الطين؛ الرابع: أن الطين مستغن عن النار وهي محتاجة إلى مكان وهو التراب؛ الخامس: أن الطين سبب جمع الأشياء، وهي سبب


(١) سورة الصافات، الآية: ١١.
(٢) سورة سورة الحجر، الآية: ٢٦.
(٣) سورة الرحمن، الآية: ١٤.
(٤) انظر: لسان العرب (١٢/ ١٢)، تهذيب اللغة (١/ ١٣٤).
(٥) سورة الأعراف، الآية: ١٢.