للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الافتقار لا من الغناء، قال الجوهري: تغني القرآن بمعنى استغنى وإلى هذا التأويل ذهب أيضا وكيع بن الجراح، وقد روي عن سفيان أيضا وجه آخر ذكره إسحاق بن راهويه أي: يستغني به عما سواه من الأحاديث والكتب وإلى هذا التأويل ذهب البخاري محمد بن إسماعيل لاتباعه الترجمة في كتابه بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} (١) والمراد الاستغناء بالقرآن عن علم أخبار الأمم، قاله أهل التأويل، وقيل: إن معنى يتغنى به يتحزن بأي يظهر في قارئه الحزن الذي هو ضد السرور عند قراءته وتلاوته وليس من الغنية لأنه لو كان من الغنية لقال يتغانى به ولم يقل يتغنى به، وسئل الإمام الشافعي عن تأويل ابن عيينة فقال: نحن أعلم بهذا لو أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستغناء لقال من لم يستغن ولكن لما قال: "يتغنى" علمنا أنه أراد التغني قال الطبري المعروف في كلام العرب أن التغني إنما هو الغناء الذي هو حسن الصوت بالترجيح، قال الشاعر:

تغَنَّ بِالشِّعْرِ مَهْمَا كنْتَ قَائِلَهُ ... إِنَّ الْغِنَاءَ بِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ (٢)

وعن حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أبطأت على عهد رسول الله ليلة بعد العشاء ثم جئت فقال، أين كنت؟ قالت: كنت أسمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته قط وصوته [من أحد] قالت: فقام رسول الله


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٥١.
(٢) التذكار (ص ١٢٧).