والجن لها قال اللّه تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (١) فمن (استرق) حرا فقد عطل عليه العبادات المختصة بالأحرار كالجمعة والحج والجهاد والصدقة وغيرها وكثيرا من النوافل المعارضة لخدمة السيد فقد ناقض حكمة اللّه تعالى في الوجوه ومقصودة من عباده فلذلك عظمت هذه الجريمة قال: فإن قلت إن كثيرًا من الأحرار يختارون بيع أنفسهم وأولادهم لملك من الملوك أو ذي جاءه ليحصل له بذلك من المرتبة والمنزلة والمال ما لا يحصل لكثير من الأحرار فكيف يعظم الإثم على من فعل ذلك وكذلك كثير من الأرقاء لا يختارون العتق ويضر بهم العتق في تحصيل المعيشة لأنه يكون مكتفيا بنفقة سيده فيصير بعد العتق كلا على الناس.
فالجواب أن هذا السائل ناظر إلى المصالح الدنيوية والشارع ناظر إلى المصالح الأخروية وكم بينهما والحر يتفرغ لعبادة اللّه تعالى فالذي يرغب في الرق لتحصل له الرفعة في الدنيا والجاه والمال رغب في شيء يسير فإن ترك العبادة والإزدياد منها التي كلّ واحدة أي منها خير من الدنيا وما عليها وكذلك الرقيق الكاره للعتق إنما كرهه لجهله فإن رقه يفوت عليه مصالح الآخرة الكثيرة الباقية فكيف يرغب عنه لمصلحة قليلة والعتق يحصل له السعادة الأبدية ويتوكل في الرزق على اللّه تعالى فإن رزقه رزقا