ج-ولأن قول أنس -رضي الله عنه- أنهم لم يكونوا يكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من أجل الضعف، يقوي القول بنسخ ما يدل على الفطر بالحجامة، ويدل على أن عدم الفطر بالحجامة هو المتأخر. وهو يوافق قوله من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص في الحجامة للصائم بعد قوله للحاجم والمحجوم:«أفطر هذان». ولو لم يكن الفطر بالحجامة منسوخاً لما قال قوله ذلك، مع أنه ممن خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة، وكان مصاحباً له في أكثر أحواله سفراً وحضراً.
ثالثاً: إن القول بأن الفطر بالحجامة هو الناسخ لما يخالفه، قول ضعيف ومرجوح في نظري- والله أعلم بالصواب- وذلك لما يلي:
أ-لأن الأحاديث الواردة في الفطر بالحجامة مع كثرتها ليس فيها ما يدل على أنها متأخرة عن الأحاديث التي تفيد عدم الفطر بالحجامة، وكون أحاديث الفطر بالحجامة زمن الفتح لا يدل على تأخرها؛ لاحتمال أن يكون ما يدل على عدم الفطر بعد ذلك، ويؤكد ذلك ما جاء فيها من لفظ الرخصة، وأنها كان بعد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أفطر هذان).
ب- بعد تتبعي لطرق أحاديث الفطر بالحجامة، لم أجد في أي طريق من طرق هذه الروايات ما يدل على تعيين السنة التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفطر هذان» أو «أفطر الحاجم والمحجوم» إلا في حديثين:
أحدهما: حديث أنس -رضي الله عنه- في قصة جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وهو يدل على أنه كان قبل فتح مكة، إما في أواخر السنة السابعة، أو في