للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

١٨ - يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، ويستحب غسله ثمانياً؛ وذلك: أما وجوب السبع فلصحة الروايات في ذلك بالاتفاق.

أما استحباب الغسل ثمانياً إحداهن بالتراب؛ فلظاهر حديث عبد الله بن المغفل: (وثامنهن بالتراب). ولولا الاحتمال الذي ذكر في الجمع بين هذه الرواية وروايات السبع لكان القول بوجوب الغسل ثمانيا أرجح.

أما ادعاء نسخ ما يدل على غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً بالغسل ثلاثاً فقول ضعيف بل مردود؛ وذلك لأن وجه الاستدلال مما استدلوا به على النسخ غير ظاهر، وغير صحيح، لأن غاية ذلك أمران: الأول: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - أفتى بالثلاث، وهو راوي السبع، وهو لا يخالف إلا إلى ما علم نسخه.

ويرد على هذا: بأنه احتمال، والنسخ لا يثبت به، ثم إن أبا هريرة - رضي الله عنه - كما روي عنه أنه أفتى بالغسل ثلاثا فكذلك قد صح عنه أنه قال بالغسل سبعًا، وهذا أصح سندًا، وكذلك نظرًا؛ لموافقة فتياه لما رواه مرفوعًا.

كما أن مخالفته لروايته يطرق له عدة احتمالات، فلا يتعين النسخ.

الأمر الثاني مما بنوا عليه النسخ: أن التشديد كان في أمر الكلاب في أول الأمر؛ حيث أمر

بقتلها فكان ذلك يناسب التشديد في سؤرها فكان الغسل من ولوغها سبعًا، فلما نسخ الأمر بقتلها خفف في سؤرها فجعل الغسل منه ثلاثا، ونسخ الغسل سبعاً.

ويرد على هذا: بأن أبا هريرة وابن المغفل ممن روى السبع وهما أسلما سنة سبع من الهجرة، والأمر بقتل الكلاب كان في أوائل الهجرة، على أن في حديث ابن المغفل ما يدل على أن الأمر بالغسل سبعًا بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب، وعلى هذا فلا يصح الاستدلال مما قالوه على النسخ.

١٩ - يجوز الانتباذ والشرب من الدباء والحنتم والنقير والمزفت، وغيرها من الأوعية التي جاء النهي عن الانتباذ فيها، وأن النهي الوارد في ذلك قد نسخ بالرخصة التي وردت بعد ذلك، وأن الأحاديث الواردة في الرخصة فيها أحاديث ثابتة صحيحة، تصرح وتنص على النسخ.

٢٠ - يجوز الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ وأنها تطهر بذلك. والآثار الواردة في ذلك ثابتة صحيحة في الجملة محكمة غير منسوخة، وأنه يمكن الجمع بين هذه الأحاديث وحديث عبد الله بن عكيم الدال على عدم الانتفاع من جلود الميتات: إما بأن الإهاب هو الجلد قبل الدباغ فيحمل النهي على ذلك، ويحمل الأحاديث التي تدل على جواز الانتفاع به على ما بعد الدباغ، فيستعمل الإهاب بعد الدباغ ويحظر قبل ذلك.

وإما بأن حديث عبد الله بن عكيم عام في النهي، والأحاديث الدالة على التطهير بالدباغ مخصصة للنهي بما قبل الدباغ، مصرحة بجواز الانتفاع بعد الدباغ، والخاص يقدم على العام، فيبني العام على الخاص.

وإما بأنه كان يباح أول الأمر الانتفاع بأهب الميتة دبغت أم لا، ثم جاء النهي عن الانتفاع بها قبل الدباغ، وبقي الأمر في المدبوغ على الرخصة السابقة، فالمنسوخ هو الانتفاع بالإهاب قبل الدباغ، أما بعد الدباغ فلا يشمله النهي، ولم يحرم ذلك قط، فلا يكون منسوخاً.

وإذا أمكن الجمع بين الأدلة فإنه لا يصار معه إلى النسخ.

٢١ - سؤر الهر طاهر؛ وذلك لكثرة ما يدل عليه، وقوته، وصراحته، وصحته بالنسبة إلى أدلة الأقوال المعارضة له.

أما ادعاء نسخ ما ورد في نجاسة الهر وسؤره، فغير صحيح لوجهين: الأول: أن الروايات في ذلك مختلف في صحتها وضعفها، ورفعها ووقفها على أبي هريرة - رضي الله عنه -، والنسخ إنما يكون لحكم شرعي ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الثاني: أنه على تقدير صحة ورفع ما ورد في نجاسة الهر وسؤره، فليس هناك دليل يدل على أن ما ورد في طهارته متأخرة عن ذلك، كما أنه لا دليل على عكس ذلك، حتى يكون أحد الدليلين ناسخا للآخر، لذلك لا يصح القول في المسألة بالنسخ.

٢٢ - إن البول قائماً مكروه كراهة تنزيه، وأنه خلاف الأولى؛ وذلك لأن من عادته - صلى الله عليه وسلم - الغالبة وأكثر أحواله البول عن قعود، ويدل على ذلك حديث عائشة وعبد الرحمن بن حسنة -رضي الله عنهما-.

وخلاصة الأحاديث الواردة في البول هو أنه ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- من فعله أنه بال قائماً، وثبت عنه من فعله أنه كان يبول قاعداً، وكان ذلك عادته الغالبة، وروي عنه من قوله ما يدل على النهي عن البول قائماً، ثم ما روي عنه من البول قائماً من فعله يحتمل أن يكون لعذر، ويحتمل أن يكون لغير عذر بل للتشريع وبيان الجواز، وإذا احتمل بوله - صلى الله عليه وسلم - قائماً بين كونه عن عذر، وبين كونه عن غير عذر، دل ذلك على أنه خلاف الأولى، فكان تركه أولى.

أما ادعاء نسخ الأحاديث الدالة على جواز البول قائماً، فغير صحيح؛ وذلك لأنه لا يوجد دليل يدل على تأخر أحاديث المنع من ذلك على أحاديث الإباحة، حتى تكون ناسخة لها، والنسخ لا بد فيه من دليل يدل على تأخر الناسخ، على ما يخالفه.

ولأنه يمكن الجمع بين هذه الأحاديث، وذلك بحمل ما ورد في النهي على الكراهة وخلاف الأولى، وحمل ما يعارضه على الجواز، وما دام الجمع بين الأحاديث ممكناً فإنه لا يصار إلى النسخ، ولا إلى ترك بعضها.

٢٣ - يستحب للشخص أن يجتنب استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط مطلقاً؛ وذلك عملاً بإطلاق الأحاديث الدالة على النهي مطلقاً، وخروجاً من خلاف العلماء.

ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الفضاء، ويباح في البناء؛ وذلك لأن على هذا يجمع بين جميع الأحاديث الواردة في المسألة، ويدل عليه حديث ابن عمر - رضي الله عنه -: (إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس).

وكان هذا القول راجحاً؛ لأنه إذا أمكن العمل بجميع الأدلة فهو أولى من إلغاء بعضها، كما أنه لا يصار إلى النسخ ما لم يتعذر الجمع، وهاهنا حصل الجمع فكان القول به أولى من القول بالنسخ.

٢٤ - يجوز الوضوء بفضل طهور المرأة مطلقاً أي سواء خلت به أم لا؛ وذلك لصحة الأحاديث الواردة في ذلك وكثرتها.

أما الأحاديث التي تدل على المنع من تطهر الرجل بفضل طهور المرأة، فيمكن أن يكون المراد بها الكراهية التنزيهة وخلاف الأولى، وبذلك يجمع بين هذه الأحاديث وأحاديث الجواز المطلق.

أما ادعاء نسخ ما يدل على النهي، فقول محتمل، لكن لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع بين الأدلة، وهنا حصل الجمع بينها.

لكن إذا أريد بأحاديث النهي عن تطهر الرجل بفضل طهور المرأة التحريم فيكون القول بالنسخ راجحاً؛ وذلك لأن ميمونة -رضي الله عنها-روت النهي عن التطهر بفضل طهور المرأة، وروي عنها وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ أو اغتسل بفضل غسلها من الجنابة، وكان في روايتها هذا، ورواية ابن عباس -رضي الله عنهما- أنها قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني كنت جنباً) فدل هذا وروايتها في النهي، على أن النهي متقدم، ثم اغتسال النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك الماء دليل على نسخ النهي المتقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>