كما أن القول بثبوت الإجرام بالاتهام فقط قول لا يتفق مع العدل والإنصاف والبراءة الأصلية.
وحيث إن هذا المبدأ القانوني قد أخذ به مجموعة من فقهاء التشريعات السماوية والوضعية، واعتبروه من النظريات البديهية التي لا تقبل الجدل أو التردد في الاعتبار فقد بدا لي أن أكتب في نظرية براءة المتهم حتى تثبت إدانته وحظها من الاعتبار في الشريعة الإسلامية، ومناقشة ذلك في ضوء معنى الاتهام وحجم الاتهام وحال الاتهام، وتقييم أخذ المتهم بتهمته ظلمًا أو عدلا. .. " إلى أن قال في نهاية بحثه: "وبهذا نستطيع القول: إن الشريعة الإسلامية لا تسلم للقانون بصواب ما اتجه إليه في تبرئة المتهم حتى تثبت إدانته، ما لم يكن الاتهام عاريًا عما يسنده من قرائن وأمارات، والمتهم معروفًا بالبر والصلاح والاستقامة وسلامة الاتجاه، أما إذا كان الاتهام مصحوبًا بما يقوي جانب الادعاء به، وكان المتهم ممن لا يستبعد وقوعه فيما اتهم به، فهذا النوع من المتهمين غير بريء، وحاله وما صاحب حاله من أمارات وقرائن تلزمه بجانب من إثبات الاتهام، وقد كان لهذا الاتجاه من الشريعة الإسلامية وهذا النظر في القضاء الإسلامي والسياسة الشرعية أثره في الحفاظ على الحقوق وبناء مجتمعات إسلامية تعيش في ظلال وارفة من الأمن والاستقرار والثقة بوازعي القرآن والسلطان في حماية الحقوق بمختلف أجناسها وأنواعها، كما أن لذلك أثره في محاربة الجريمة والتقليل منها ومن أصحابها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" (١).
(١) مجلة البحوث الإسلامية (٧/ ٢٩٠ - ٣٠٣)، بحث للشيخ بعنوان: "نظرية براءة المتهم حتي تثبت إدانته، وحظها من الاعتبار في الشريعة الإسلامية".