فأهل روما سادة، وما وراءها عُبَيْد، واستعمل قوته المادية وقدرته العلمية في غرور وتيه على الإنسان الملون، فأوجد التفرقة العنصرية، وحاول أن يقول بالحرية والمساواة والإخاء، فجعلها مقصورة على الأوربي والأبيض وحدهما، وأنكر حق الأجناس الملونة فيها، وبذلك أعطى البشرية ذلك الأسلوب المضطرب الَّذي أشقاها بالحضارة، وحول العلم إلى مجال الفتك والتدمير والصراع الذري النَّووي الرهيب، ولم يوجهه إلى منح الإنسانية الأمن بعد الشدة أو الغني بعد الفقر. وكان مصدر هذا الاضطراب جميعًا هو ذلك الفهم القائم على الغرور والاستعلاء؛ الفهم الَّذي يفرق بين الرجل الأبيض والرجل الملون، حيث تكشف حقائق التاريخ والعلم والاجتماع أن لا فروق عقلية أو جسمانية تميَّز جنسًا عن جنس ولا لونًا عن لون" (١).
[القديم]
" تجري المحاولات التغريبية إلى دعوتنا -نحن وحدنا (العرب والمسلمين) - إلى ازدراء القديم وكراهيته، بل ويسارع فيقم لها الشبهات الَّتي تحمل طابع السخرية والأحتقار لهذا القديم، ولكنه مع الأسف يتناقض مع نفسه فلا يفعل ذلك مع القديم الغربي، بل على العكس من ذلك فهو يُعلي من شأن القديم عنده، بل ويحاول أن يُعلي من شأن هذا القديم الخاص به عندنا؛ فهو يدعونا إلى الأدب الإغريقي، ويحيط الدراسات الهلينية بهالة من الفخر، ويحاول أن يربط بيننا وبين اليونانية واللاتينية. وتقرر الأبحاث والدراسات التاريخية أن الغرب لم يجدد نفسه ولم يدخل عصر النهضة إلَّا من طريق
(١) "الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإِسلامي" (ص ٢٩٣ - ٢٩٥).