للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمم والشعوب المختلفة الَّتي سبقت وأثرت في مسيرة الحضارة البشرية الَّتي ليست هي نتاج الرجل الأبيض وحده، إلَّا أن يكون الرجل الأبيض هو وريثها والمتصرف فيها.

وقد كان الرجل الأبيض يدعي أنَّه ممدن البشرية، وأن سلطانه ونفوذه ليس إلَّا عملًا إنسانيا يستهدف تحضير الشعوب وتعميرها، واشتق اسم "الاستعمار" من التعمير. ولكن الشعوب رأت كيف كان الرجل الأبيض قاسيًا وظالمًا وعنيفًا، وأنَّه لم يكن ممدنًا بقدر ما كان مستعمرًا جشعًا يحرص على أن يمتلك كل شيء، وأن يسيطر على مختلف الخامات والثروات وينقلها إلى بلاده، دون أن يترك لأصحابها إلَّا الفتات القليل، وأنَّه كان حريصًا أن لا يقدم لهذه الشعوب من حضارته إلَّا الجوانب السلبية والبراقة، الَّتي تحمل جراثيم قتل الكيان والشخصية وتذويب القيم وتحطيم المعنويات؛ وذلك بقصد استدامة السيطرة، وإبقاء النفوذ، وإطالة أجل الاستعمار. وقد كشفت الأبحاث العلمية المنصفة خطأ نظرية الرجل الأبيض وتميزه عقليًا أو جسميًا، وتأكد أن ما حصل عليه من التقدم العلمي إنَّما هو تطور البشرية الطبيعي والجهد المشترك الَّذي ساهمت فيه مختلف العقول والقوى، وأن هذا التميز العلمي وحده ليس هو كل شيء في الحضارة، وإنَّما الحضارة قوى روحية ومادية، وأن العمل المادي الصرف منفصلًا عن الأخلاق والدين لم يحقق إلَّا أزمة العصر؛ أزمة العالم الَّذي كبر عقله وتوقف قلبه عن النمو، فباعد ما بين قوتيه الصانعتين لحياته.

وقد اتخذ الرجل الأبيض مفهوم روما القديم وطبَّقه في العصر الحديث؛

<<  <   >  >>