وراءه أهواء الاستعمار، ويحاول أن يصورها بصورة الواقع المفروض، ويقلل من أهمية هذه النظرية تاريخيًا أن الدولة الرومانية سقطت في القرن الرابع الميلادي، وظلت أوربا أكثر من ألف عام تعيش ظلمات القرون الوسطى، بينما كانت أجناس أخرى ليست بيضاء تتولى مقاليد الحضارة الإنسانية وتذيعها في كل مكان، وتقيم مجتمعات من حدود الصين إلى حدود فرنسا وإيطاليا في قلب أوربا. وقد استطاعت هذه الحضارة أن تقدم للبشرية المنهج العلمي التجريبي، والجذور الأساسية لمختلف العلوم الطبية والطبيعية والكيميائية والفلكية الَّتي نماها الغرب بعد وأقام بها حضارته الحديثة. ومن هنا فإنَّ فكرة الجنس الأبيض نفسها لم تكن هي مصدر الحضارة.
هذا فضلًا عن أن هذا الاستعلاء باللون لم يكن يومًا من الأيام مصدرًا من مصادر التقدم أو الامتياز؛ فإنَّ الجنس الآري الَّذي يوصف بأنَّه الإنسان الأبيض قد وصل إلى أوربا قادمًا من قلب آسيا من فارس والهند. ومع ذلك فإنَّ شأنه في هذا يختلف عن شأنه هناك؛ وذلك لأن عوامل كثيرة ومختلفة هي الَّتي أعطت الأوربيين قيادة الحضارة في هذه المرحلة حين بلغ العرب والمسلمون مرحلة الضَّعف، والرجل الأبيض الَّذي "ورث" تراث العلم والحضارة العربية الإِسلامي قد استعلي في غطرسة وغرور عن أن يعترف بالفضل، وأنكر دور العرب والمسلمين، وحاول إطلاق كلمة العصور الوسطى المظلمة على العالم كله، وما زال ينظر إلى التاريخ من حيث بدأ في أوربا وينتهي بها. وتلك نظرة ظالمة بعيدة عن الإنصاف؛ تنكر حضارات