للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الوسطية]

" وسطية الإسلام بدهية لا تحتاج إلى كثير بيان، وكيف يحتاج إلى بيان ما أوضحه محكم التنزيل بأجلي بيان؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (١).

وقد أفاض أهل العلم من السلف والخلف في بيان وسطية هذا الدين وبراءته من كل إفراط أو تفريط، ومن ذلك ما قاله الإمام الطبري رحمه الله: "وأرى أن الله تعالى ذِكْرُه إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلوّ النصارى الذين غلوا بالترهب وقبلهم في عيسي ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بذلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها" (٢).

ويقول الإمام ابن القيم: "ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين؛ فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له؛ هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد" (٣).

وكما أن أهل الإسلام وسط بين أهل الملل، فإن أهل السنة والجماعة وسط بين فرق الأمة: "فهم وسط في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبهة، وهم وسط في باب أفعال


(١) سورة البقرة، الآية (١٤٣).
(٢) تفسير الطبري (٣/ ١٤٢).
(٣) مدارج السالكين (٢/ ٤٩٦).

<<  <   >  >>