" العقلانية نزعة غربية الطابع مستمدة من الاعتماد على العقل وبراهينة ومعطياته، واتخاذه مصدرًا وحيدًا للمعرفة، وهو مفهوم لا يقبله الإسلام الذي يقرر أن هناك مصادر عِدَّة للمعرفة منها العقل، ولكنه ليس المصدر الوحيد، فالعقل هو مناط التكليف في الإسلام، ولكنه يتحرك دائمًا تحت ضوء الوحي ونور الفطرة؛ ذلك أن الإسلام يؤمن بالنظرة الجامعة الَّتي توازن وتوائم وتمزج بين الروح والمادة، والعقل والوجدان.
ولكن هناك من يحاول اليوم أن يتحدث عن (العقلانية الإِسلامية) ويقررها وحدها بالاعتبار، وهذه معاودة لتجربة قديمة مر بها المسلمون بعد ترجمة الفلسفة اليونانية، وهي تجربة المعتزلة الذين اعتبروا العقل مصدرًا للمعرفة، وأعلوه على الوحي (النقل)، ودعوا إلى أنَّه في حالة الخلاف بين العقل والنقل يخضع النقل للعقل.
ومن هنا ظهرت فكرة التَّأويل؛ وهي فكرة لها حدودها الَّتي يجب أن لا تخرج بها عن النص القطعي، وقد كانت هذه إحدى المحاذير الَّتي وقع فيها الفلاسفة.
ولقد حاول البعض (أمثال أحمد أمين وغيره) الادعاء بأن سقوط الاعتزال كان عاملًا من عوامل تأخر المسلمين، والحقيقة أن سقوط الاعتزال بعد استعلائه وادعائه أنَّه هو المنطلق الوحيد للمعرفة الإِسلامية كان طبيعيًا، (وهو نفس الموقف بالنسبة للقائلين باتخاذ الحدس سبيلًا واحدًا للمعرفة، أو الذين يعتمدون على الوجدان وحده).