للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحدهم) - نلمح فيه بسرعة الكلام الذي كان يتردد في أوروبا في القرن الثامن عشر عن المسيحية وكنيستها وكتابها بدون تغير يذكر، وهكذا تطير بجرة قلم كل الفروق العقدية والتاريخية والزمنية والسياقية، لنجد أن كلامًا قيل في دنيا أخرى يُجلب ليكرر تقريبًا في عالم مختلف، وبدون مراعاة لكل عوامل النسبية والتاريخية والتغير والسياقية والبيئية والخصوصية الَّتي يقول الغربيون وأتباعهم عندنا إنَّه يجب مراعاتها في مثل هذه الأمور، بل يدَّعون أنَّهم يراعونها طيلة الوقت عندما يضربون عرض الحائط بالكثير من الأحكام التشريعية الإِسلامية تحت شعارات مراعاة العصر والاجتهاد وما أشبه.

ومن هنا فالتنوير السائر هوفي حقيقته ليس تنويرًا على الإطلاق، بل محاكاة وتقليدًا وجمودًا على أفكار غربية سقطت حتَّى من سياقها التاريخي والثقافي الخاص، إلى حد أننا أصبحنا اليوم نقرأ لقلة من مفكري الغرب تنعي هذا السقوط، وتدعو عبثًا لإعادة إحياء التنوير؛ وهيهات.

وفوق هذا فالتنوير الذي يُروِّج له بعض النَّاس الآن ليس تنويرًا بالمفهوم الذي قد يتبادر إلى الذهن من نشر للعلم والفكر والتأمل العقلي، بل هو لا يعدو -كما قلنا- إطلاق شعارات عامّة غامضة موجهة كلها ضد الدِّين (الإسلام)، في إطار خطة لا تنويرية ولا عقلية ولا علمية بل سياسية محضة، هي ما اصطلح على تسميته بسياسة: مكافحة التطرف والإرهاب المزعومين والمنسوبين إلى الحركات الإِسلامية وإلى دعاة الإسلام. وإذا كان من صدق في نية الحديث عن التنوير فكان يجب أن يكون كذلك عن الإسلام، وفي إطاره وخدمة لدعوته" (١).


(١) مجلة البيان (العدد ١٥٩).

<<  <   >  >>