البعث والإحياء للإغريقيات واللاتينيات، فلماذا إذن هذا التنكر لتراثنا وقديمنا؟! ونحن نؤمن أن أي أمة لا تستطيع أن تذخل عصر النهضة إلَّا على أساس إحياء قديمها والارتباط به، ومن عجب أن الغرب قد أحيا تراثًا انفصل عنه ألف سنة، والصهيونية أحيت لغة انفصلت عنها ألفي سنة، ولكن المقاييس تختلف إذا جاءت للحكم على قديمنا وتراثنا الَّذي لم ينفصل عن أمتنا خلال أربعة عشر قرنًا متوالية متصلة، ولتستمع إلى عالم غربي هو كارل بيرسون يتحدث عن القديم:
إن من أقوى المؤثرات الَّتي تحفظ الثبات الاجتماعي وتحول دون تحلله تلك الصفة الَّتي نبغضها: صفة الجمود عليّ القديم، لا بل نقول إن العداء الصارخ الَّذي تقابل به الجماعات الإنسانية كل الفكرات الجديدة لمن أخص تلك المؤثرات، وهذه الصَّفات بمثابة الكور المتلظية نيرانه، والتي بدونه لا تستطيع أن تفصل بين المعدن الصحيح والفضلات الزائفة، وهي تحمي الجسم الاجتماعي من أن يترك معرضًا لتغيرات تجريبية فجائية غير مقيدة آنًا، أو بالغة أقصى الضرر آنًا آخر.
ويؤكد الباحثون أن الأمم الناهضة توازن بين روح القديم وروح الجديد، وتبني الجديد على أساس من القديم، وتجدد من القديم ما هو صالح وإيجابي، وترفض من الجديد ما هو غير صالح أو إيجابي أو يتفق مع كيانها ومزاجها وطابعها. وإن الدعوة إلى قطيعة القديم كالدعوة إلى تقبل كل جليد، وكلاهما معارض لناموس الوجود وسنة الحياة الَّتي تبني الجديد من مادة القديم.
فالتوازن بين القديم والحديث هو طابع النهضة الأصيلة، فإذا أهمل