هذا المعنى، ولكنه في مقام مناظرة، وعلى ما عرف عنه -عفا الله عنه- من ميل إلى كتب أهل الكلام الذين عطلوا النصوص استنادًا إلى العقل الذي غلوا فيه، فحرفوا لأجله ما كبر على مداركهم من النصوص، ولذا فإن المحقق ابن القيم لم ينقل عن ابن عقيل هذا من باب التقرير والرضا، وإنما عقب عليه بقوله: "قلت: هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام، وهو مقام ضنك في معترك صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق، وجرَّؤوا أهل الفجور والفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، وسدوا على أنفسهم طرقًا صحيحة من الطرق التي يعرف بها المحق من المبطل، وعطلوها -مع علمهم وعلم الناس بها أنها أدلة حق- ظنًا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة حقيقة الشريعة، والتطبيق بين الواقع وبينها، فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء، فأحدثوا لهم قوانين سياسية تنتظم بها مصالح العالم، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض، وتفاقم الأمر وتعذر استدراكه.
وأفرط فيه طائفة أخرى فشرعت فيه ما يناقض حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أتيت من قبل تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله، فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط -وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض- فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم