للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمم إلى توحيد الإرادة والقصد، الَّذي هو توحيد الإلهية، فإنَّ الرب الَّذي أبدع خلقه ما يشاهدونه من عظيم مخلوقاته، وتعرف إليهم بذلك، وبما دلهم عليه من كمال صفاته، وتصرفه في مخلوقاته، هو الرب الَّذي لا يستحق العبادة غيره.

فالرسل وأتباع الرسل كمَّل الله إيمانهم بذلك العلم والعمل؛ فقد قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}: فحمد نفسه بما يوجب الإِيمان به ومعرفته من عظيم مخلوقاته، واستدل بأدلة ربوبيته على ما يستلزمه من إلهيته، فقال: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} (١) فأنكر الشرك في حق من هذا وصفه، وإنكار الشرك يقتضي توحيد العبادة؛ بأن لا يراد غيره، ولا يقصد سواه، فانتظم ذلك نوعي التوحيد.

وقال: هو {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا} (٢) فحمد نفسه على إنزال الكتاب الَّذي هو أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض؛ وهو يقتضي الإِيمان بالكتب والرسل، وهو صراط الله المستقيم، الَّذي لا تزيغ به الأهواء؛ فهذا وأمثاله هو طريقة القرآن، محمد نفسه على ما يتعرف به إلى خلقه، ليعرفوه بذلك الَّذي أبدعه وأوجده وأنعم به، كقوله:


(١) سورة الأنعام، الآية (١).
(٢) سورة الكهف، الآية (١).

<<  <   >  >>