للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والروح والحب لغيره؛ تنال درجة الشهادة به .. هذا من المحال؛ فإن فساد عشق القلب للصور فوق كل فساد، بل هو خمر الروح الذي يسكرها ويبعدها عن ذكر الله وحبه والتلذذ بمناجاته والأنس به، ويوجب عبودية القلب لغيره.

فلو كان هذا الحديث كالشمس كان غلطًا ووهمًا، ولا يحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لفظ العشق في حديث ألبتة. فترى من يعشق امرأة غيره أو يعشق المردان "الذكور" والبغايا ينال بعشقه درجة الشهداء!

وأنت إذا تأملت الأمراض والآفات التي حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابها بالشهادة وجدتها من الأمراض التي لا علاج لها؛ كالمطعون، والمبطون، والمجنون، والحريق، والغريق، وموت المرأة يقتلها ولدها في بطنها؛ فإن هذه بلايا من الله لا صنع للعبد فيها ولا علاج لها، وليست أسبابها محرمة ولا يترتب عليه من فساد القلب وتعبده لغير الله ما يترتب على العشق.

فإن لم يكف هذا في إيطال نسبة هذا الحديث إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلَّد أئمة الحديث العالمين به ويعلله؛ فإنه لا يحفظ عن إمام واحد منهم قط أنه شهد له بصحة بل بحسن، كيف وقد أنكروا على سويد -هو راوي الحديث- هذا الحديث ورموه لأجله بالعظائم، واستحل بعضهم غزوه لأجل هذا الحديث. اهـ

وأنا أقول: نعم من ابتلي بحب امرأة فجاهد نفسه، وحارب هواه واعتصم بربه ولجأ إليه لا شك أنه يدخل تحت قوله تبارك وتعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (١)


(١) سورة النازعات، الآيتان (٤٠، ٤١) ـ

<<  <   >  >>