فترى الرجل المنتسب للإسلام، المتمسك به في ظاهر أمره، المشرب قلبه هذه القوانين الوثنية، يتعصب لها ما لا يتعصب لدينه. بل يجتهد ليتبرأ من العصبية للإسلام، خشية أن يُرمي بالجمود والرجعية! ثم هو يصلي كما يصلي المسلمون، ويصوم كما يصوم المسلمون، وقد يحج كما يحج المسلمون، فإذا ما انتصب لإقامة القانون، لبسه شيطان الدين الجديد، فقام له قومة الأسد يحمي عرينه، ونفي عن عقله كل ما عرف من دينه الأصلي! ورأى أن هذه القوانين ألصق بقلبه، وأقرب إلى نفسه!.
هذا في المستمسك منهم بدين الإسلام، وهم الأقل. دع عنك أكثرهم، وقد ربى لنا المستعمرون من هذا النوع طبقات، أرضعوهم لبان هذه القوانين، حتى صار منهم فئات عالية الثقافة، واسعة المعرفة، في هذا اللون من الدين الجديد، الذي نسخوا به شريعتهم. ونبغت فيهم نوابغ يفخرون بها على رجال القانون في أوربا، فصار للمسلمين من أئمة الكفر، ما لم يُبتَل به الإسلام في أي دور من أدوار الجهل بالدين في بعض العصور.
وصار هذا الدين الجديد هو القواعد الأساسية التي يتحاكم إليها المسلمون في أكثر بلاد الإسلام ويحكمون بها، سواء منها ما وافق في بعض أحكامه شيئًا من أحكام الشريعة وما خالفها. وكله باطل وخروج؛ لأن ما وافق الشريعة إنما وافقها مصادفة، لا اتباعًا لها، ولا طاعة لأمر الله وأمر رسوله، فالموافق والمخالف كلاهما مرتكس في حمأة الضلالة، يقود صاحبه إلى النار، لا يجوز لمسلم أن يخضع له أو يرضى به" (١).