قال بعض من حضر: اجعلوها فى تنّور صالح. فإنهم قد خبزوا. فقال بيده: لا، وأبى أن يوجه بها إلى منزل صالح، قال حنبل: ومثل هذا كثير.
قال حنبل: وأخبرنى أبى - يعنى إسحاق عم أحمد - قال: لما وصلنا العسكر أنزلنا السلطان دارا لإيتاخ (١) ولم يعلم أبو عبد الله. فسأل بعد ذلك: لمن هذه الدار؟ فقالوا: هذه دار لإيتاخ، فقال: حولونى واكتروا لى دارا، قالوا: هذه دار أنزلكها أمير المؤمنين. فقال: لا أبيت هاهنا، فاكترينا له دارا غيرها، وتحول عنها. وكانت تأتينا فى كل يوم مائدة أمر بها المتوكل، فيها ألوان الطعام والفاكهة والثلج وغير ذلك، فما نظر إليها أبو عبد الله. ولا ذاق منها شيئا، وكانت نفقة المائدة فى كل يوم مائة وعشرين درهما، فما نظر إليها أبو عبد الله. ودامت العلة بأبى عبد الله، وضعف ضعفا شديدا. وكان يواصل، فمكث ثمانية أيام مواصلا لا يأكل ولا يشرب، فلما كان فى اليوم الثامن كاد أن يطفأ، فقلت: يا أبا عبد الله، ابن الزبير كان يواصل سبعة أيام. وهذا لك اليوم ثمانية أيام، فقال: إنّي مطيق قلت: بحقى عليك. فقال: إن حلّفتنى بحقك فإنى أفعل، فأتيته بسويق فشرب
وأجرى المتوكل على ولده وأهله أربعة آلاف درهم فى كل شهر، فبعث إليه أبو عبد الله: إنهم فى كفاية، فبعث إليه المتوكل: إنما هذا لولدك، ما لك ولهذا؟ فقال له أحمد: يا عمّ، ما بقى من أعمارنا؟ كأنك بالأمر قد نزل. فالله الله، فإن أولادنا إنما يريدون يتأكلون بنا، وإنما هى أيام قلائل، لو كشف للعبد عما قد حجب عنه لعرف ما هو عليه من خير أو شر، صبر قليل، وثواب طويل، إنما هذه فتنة. فلما طالت علة أحمد كان المتوكل يبعث بابن ماسويه المتطبب، فيصف له الأدوية، فلا يتعالج، فدخل ابن ماسويه على المتوكل، فقال
(١) إيتاخ: هو غلام خزرى، اشتراه المعتصم ورفعه. وضمه إليه هو والواثق من بعده أعمالا كثيرة. منها: معونة سامر، وكان إيتاخ موكلا بتنفيذ العقوبات من القتل والحبس، وقد اعتقل فى أيام المتوكل ببغداد ومات فى معتقله سنة ٢٣٥.