العسكرى أخبرنا الحسن بن خليل بن أحمد المصرى حدثنا محمد بن على البصرى الصفار عن بعض الصالحين من أهل عبادان - وحلفنى أن لا أخبر باسمه - أنه قدم إلى بغداد سنة أربعين وثلاثمائة شوقا منه إلى زيارة قبر أحمد بن حنبل وقبر معروف، وأنه زار قبر معروف فى يوم السبت. قال: ففرحت فرحا شديدا لما رأيت من كثرة الناس وجمعهم، وإظهار السنة (١). فلما قضيت زيارتى، ومضيت من وقتى إلى قبر أحمد: لم أصادف عند قبره إلا الواحد بعد الواحد. فاغتممت عند عند ذلك غما شديدا، ثم إنّي رأيت إنسانا، وكأن قلبى أنس إليه دون الجماعة ممن حضر، فأطلعته على ما فى نفسى من جهة قبر معروف وقبر أحمد بن محمد بن حنبل. فقال: إن زيارة هذا القبر يوم الاثنين. قال: فرجعت إليه يوم الاثنين فلم أر عند قبره عشر الذى رأيته عند قبر معروف. ولقيت ذلك الرجل بعينه، فعاودته بسبب الزيارة. فقال: إن قبر أحمد بعيد، وليس ينشط إليه كل إنسان.
فكأن قلبى سكن إلى ذلك من كلامه. ورجعت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة إلى عبادان. فبينما أنا ذات ليلة قائم فى وردى لأقضيه، إذ حملتنى عيناى فنمت وأنا جالس. فرأيت رجلا جميلا عليه ثياب بيض، وحوله جماعة من الشيوخ يعظمونه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا أبو عبد الله أحمد بن حنبل. فدنوت منه، فسلمت عليه، وأردت أن أسأله عن زيارة قبره وقبر معرف. فقال لى:
يا فلان، كأنى بك تريد أن تسألنى عن زيارة قبرى وقبر معروف؟ فقلت: قد كان ذلك يا أبا عبد الله. فقال لى: إن أخى معروفا ﵀ كان أشد الناس بغضا لليهود - عليهم لعنة الله - وكان قد ألزم نفسه أن يصلى فى كل يوم سبت مائة ركعة يقرأ فى كل ركعة عشر مرات (﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾) إلى أن يعلم أن اليهود قد انصرفوا من كنائسهم، غيرة لله ﷿ وتعظيما وتنزيها. قال: فلذلك نشر الله له هذا العلم الذى رأيت كل سبت. ثم قال: يا فلان، تعرفه؟ فقلت: لا والله.
(١) أى سنة هذه فى شد الرحال وتزاحم الناس على قبر معروف للتبرك به؟