وقال لنا أبو العباس بن يونس: كان آية من آيات الله فى الحفظ.
وقال لنا أبو الحسين العروضى: كان يتردد ابن الأنبارى إلى أولاد الراضى، فكان يوما من الأيام، وقد سألته جارية عن شئ من تفسير الرؤيا؟ فقال:
أنا حاقن. ثم مضى. فلما كان من غد عاد، وقد صار معبرا للرؤيا. وذاك أنه مضى من يومه، وقد درس كتاب الكرمانى وجاء.
قال: وكان ابن الأنبارى يأخذ الرطب يشمه، ويقول: أما إنك لطيب.
وكان أطيب منك حفظ ما وهب الله لى من العلم.
قال محمد بن جعفر: ومات ابن الأنبارى ولم نجد من تصنيفه إلا شيئا يسيرا وذاك أنه كان يملى من حفظه. وقد أملى كتاب غريب الحديث، قيل: إنه خمس وأربعون ألف ورقة، وكتاب شرح الكافى وهو نحو ألف ورقة، وكتاب الهاءات وهو نحو ألف ورقة. وكتاب الأضداد. وما رأيت أكبر منه، وكتاب المشكل أملاه، وبلغ إلى سورة طه وما أتمه. والجاهليات تسعمائة ورقة. والمذكر والمؤنث ما عمل أحد أتم منه. وعمل رسالة المشكل ردا على ابن قتيبة وأبى حاتم وتقصّا لقولهما.
وحدثت عنه: أنه مضى يوما إلى النخاسين وجارية تعرض، حسنة كاملة الوصف. قال: فوقعت فى قلبى. ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضى، فقال لى:
أين كنت إلى الساعة؟ فعرفته. فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها، وحملها إلى منزلى. فجئت فوجدتها: فعلمت الأمر. كيف جرى. فقلت لها: كونى فوق إلى أن أستبرئك، وكنت أطلب مسألة قد اختلت على. فاشتغل قلبى عن علمى فقلت للخادم: خذها امضى بها إلى النخاسين، فليس قدرها أن يشتغل بها قلبى عن علمى. فأخذها الغلام. فقالت: دعنى أكلمه بحرفين. فقالت: أنت رجل لك محل وعقل. فإذا أخرجتنى ولم تبين لى ذنبى لم آمن أن يظن الناس بى ظنا قبيحا، فعرفنيه قبل أن تخرجنى. فقلت لها: مالك عندى عيب، إنك