للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظل خزيمة على هذا الأمر حتى فني ماله وساءت حالته، وكان خزيمة رجلا عزيز النفس لا يريد أن يمد يده ليطلب مساعدة من أحد، فأغلق عليه بابه، وأقام مع زوجته وأولاده يعيشون على ما بقي عندهم من طعام ومال.

علم عكرمة -والي البلاد- بما وصلت إليه حال خزيمة من فقر وحاجة، فأسف لذلك، وقال: كيف يعيش في فقر وشدة من كان في يوم من الأيام يكرم الناس من ماله وطعامه؟! وعندما جاء الليل، أخذ عكرمة أربعة آلاف درهم، ووضعها في كيس، وخرج من بيته سرا وقد أخفي شكله، وسار في الظلام حتى وصل إلى بيت خزيمة، وطرق الباب، فلما خرج إليه خزيمة ناوله عكرمة الكيس، وقال له: أصلح بهذا المال أحوالك.

تناول خزيمة الكيس فوجده ثقيلا مملوءا بالدراهم، فوضعه على الأرض وأمسك بتلابيب عكرمة وسأله: من أنت؟ أخبرني.

فأجابه عكرمة: ما جئتك في هذه الساعة المتأخرة من الليل لتعرفني، إنما حضرت لأعطيك هذا الكيس وكفى.

فقال خزيمة: وأنا لن أقبل هذا الكيس حتى تعرفني بنفسك وتخبرني من أنت.

قال عكرمة: إذا كنت مصمما على معرفتي فأنا منقذ الكرام من غدر الأيام، وأسرع عكرمة بالانصراف، ودخل خزيمة على زوجته يبشرها بخبر المال الذي جاءهما من منقذ الكرام ففرحت.

وفي الصباح خرج خزيمة إلى الناس، ودفع ما عليه من ديون، واشترى طعاما لبيته.

أما عكرمة فقد رجع إلى منزله، ووجد زوجته قلقة مهمومة، ولما سألته عن سبب خروجه متنكرا في منتصف الليل ومعه المال، حاول عكرمة أن يخفي عنها الحقيقة في أول الأمر، لكنها كررت السؤال ووعدته أن تكتم الأمر وتجعله سرا بينهما، فأخبرها عكرمة بالقصة، وحكى لها ما حدث بينه وبين خزيمة وطلب منها ألا تذكر ذلك لأحد أبدا.

ومرت الأيام وتحسنت حال خزيمة، وعاد غنيا مرة أخرى، وذهب لمقابلة صديقه الخليفة، وحكى خزيمة له قصته مع منقذ الكرام من غدر الأيام، وتعجب الخليفة وود لو عرف اسم ذلك الرجل، وقال لخزيمة: والله لو عرفت اسمه لمكافأته أحسن المكأفاة على معروفه وكرمه، ثم قال الخليفة لخزيمة: لقد وليتك حاكما على البلاد مكان عكرمة، فاذهب إليه الآن فورا،

<<  <  ج: ص:  >  >>