للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاسبه على ما حصل من أموال المسلمين وما أنفق منها.

عاد خزيمة إلى بلده واليا عليها، وعندما علم عكرمة بخبر ولاية خزيمة على البلاد بدلا منه، خرج في جمع من أهلها يستقبله، ودخل خزيمة في موكب فخم، وقصد دار الإمارة، ولما جلس فيها، وتسلم أمور الحكم أمر بمحاسبة عكرمة، فوجد عليه أموالا عجز عن سدادها ولم يتمكن من دفعها واعتذر لعكرمة، وقال: ليس عندي ما أدفعه.

طلب خزيمة من جنوده أن يقيدوا عكرمة بالسلاسل ويضعوه في السجن حتى يدفع ما عليه من أموال، دخل عكرمة السجن دون أن ينطق بكلمة واحدة ودون أن يوضح لخزيمة أين ذهبت الأموال الناقصة؟ ولما علمت زوجة عكرمة بسجن زوجها حزنت حزنا شديدا.

ومرت الأيام، وساءت حالها، فلم تستطع الزوجة أن تصبر طويلا، فنادت خادمتها، وقالت لها: اذهبي إلى بيت الوالي خزيمة، وقولي له: عندي كلمة لك لا أحب أن يسمعها غيرك، وعندما ينصرف من معه، ويصبح خزيمة وحده قولي له: ما هكذا يكون جزاء منقذ الكرام من غدر الأيام.

وذهبت الخادمة إلى بيت خزيمة وأبلغته ما قالت سيدتها، فقال منزعجا: واحسرتاه! أهو عكرمة؟ ثم قام من مجلسه، وأرسل إلى عظماء البلاد فجمعهم، وركب حصانه، وسار بهم إلى السجن، ودخل خزيمة السجن هو ومن معه، فوجد عكرمة أصفر اللون متعبا مقيدا بالسلاسل، فأقبل عليه يقبل رأسه ويعتذر إليه عما حدث منه، فرفع عكرمة رأسه، ونظر إلى خزيمة بعينين مليئتين بالدموع، وقال له: وما الذي دعاك إلى أن تفعل كل ذلك الآن يا خزيمة؟

فأجابه: كرم أصلك وحسن خلقك وسوء مكافأتي، لقد قابلت الإحسان بالإساءة وأنا لا أدري.

فقال له عكرمة: يغفر الله لك.

وطلب خزيمة الحداد وأمره أن يفك قيود عكرمة، ويقيده بدلا منه، ولما سأله عكرمة عن السبب في هذا الطلب الغريب أجابه خزيمة: أريد أن يصيبني من الحبس والقيد مثل ما أصابك. فأقسم عكرمة عليه ألا يفعل ذلك الأمر، وصمم على أن يخرج خزيمة من

<<  <  ج: ص:  >  >>