عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: بال أعرابي في المسجد فثار الناس إليه ليقعوا به، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه وأريقوا على بوله ذَنوبا من ماء أو سَجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[رواه البخاري]، السجل بفتح السين وإسكان الجيم، وهي الدلو الممتلئة ماء.
إنها قمة من قمم الرفق لا يبلغها إلا من اتصل بمشكاة النبوة اتصالا لا يعرف الملل، وذلك نابع من استشعار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا التصرف الشاذ لا ينتج إلا من جاهل، ولنا أن نسأل أنفسنا: هل سيكون لنا نفس الموقف الذي وقفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الأعرابي إذا ما شاهدنا يوما تصرفا شاذا من أحد الناس؟ وهل نرفق به ولا نعنفه وننصحه بهدوء أن يقلع عن ذلك؟ أم أننا نسيء الظن فيه، ونحسبه قد تعمد ذلك ونثور كما ثار الصحابة رضوان الله عليهم في بداية الأمر؟! (١).
الرفق مع المبتديء:
عن معاوية بن الحكم السلمي - رضي الله عنه - قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، سكت، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني (زجرني وعبس في وجهي) ولا ضربني ولا شتمني، قال:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبر وقراءة القرآن"[رواه مسلم].
يقول الحاج أحمد أبو شادي: حدث أن أحد الإخوان كان في طبعه حدة وعصبية فكان يثور دائما لأوهى الأسباب، ويسبب بثورته ضيقا في نفوس الإخوان ويحاول بعضهم أن يقضي على ثورته الجامحة ويهديء من روعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان الإمام كثيرا ما يتدخل في ثورة هذا الأخ العصبي فتهدأ نفسه إلى حين ثم يعود بعدها إلى ثورة جديدة.