للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما طفح الكيل وضاق الإخوان وأستاذهم ذرعا بهذا الأخ الذي لا يتورع عن إيذاء الإخوان وتجريحهم انتفض الأستاذ غاضبا، وطلب إليه أن يخرج من دار المركز العام إلى بيته، فما كان من الأخ الثائر إلا أن قال للأستاذ: لن أخرج من هذه الدار، إنها ليست داركم ولكنها دار الإخوان المسلمين، فما كان من الأستاذ إلا أن سيطر على غضبه ولم يندفع في ثورته على هذا الأخ فأجابه في هدوء وسكينة: صدقت في قولك يا أخي إنها ليست داري وإنما دار الإخوان، لكن لا تنس أنني أبو هؤلاء الإخوان جميعا، وإننا جميعا مستاءون من تصرفاتك معنا وثورتك المستمرة علينا، وأوعز الأستاذ للإخوان بمقاطعته فقاطعوه ولم يكلموه ولم يردوا عليه، وترك الأستاذ الإمام مكانه في الغرفة وخرج الإخوان معه كلهم في صورة احتجاج ومقاطعة لهذا الأخ، وظل هذا الأخ في الغرفة وحيدا حزينا يفكر في موقفه الذي ساقته إليه ثوراته وجمحاته وشطحاته، وظل هكذا وحيدا يفكر فيما جنت يداه على نفسه، وعلى إخوانه، وعلى مرشده، واغرورقت عيناه بالدموع، دموع الندم والتوبة.

وبعد فترة قصيرة من الوقت دخل عليه الأستاذ فوجده على هذه الحال، فما رآه الأخ حتى سارع إلى تقبيل يده، والاعتذار إليه وإلى الإخوان الذين أساء إليه هم مرارا، فما كان من الأستاذ إلا أن ضمه إليه ضمة الحب والرحمة والإشفاق، وقبله قبلة الأخ الرحيم والمربي الحكيم، وأقبل عليه الإخوان يصافحونه، ويعانقونه بعد أن اعتذر إليهم، فما كان منه إلا أن استقام أمره، ولم يعد إلى ما كان منه من جمحات وشطحات. وهكذا استطاع الأستاذ الإمام أن يعالج مشكلة هذا الأخ الجامح، فلم يعالجه بالشدة والغلظة والزجر والثورة، وإنما عالجه باللين والرفق، ناهجا في ذلك نهج النبي الكريم والمربي العظيم الذي كان يقول: "إن الله يحب الرفق في الأمر كله" [البخاري] (١).

يقول سيد قطب: فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يشق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ومن يحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء،


(١) رحلتي مع الجماعة الصامدة ١٦١ - ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>