قال: فإن لله علي ألا أذوق طعاما ولا شرابًا أو آتي رسول الله، فأمهلهما حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكيء عليهما حتى أدخلوه على رسول الله.
يا لله! رجل مضروب مثخن بالجراح لا يتناول حتى شربة الماء -وهو أشد ما يكون حاجة إليها- حتى يرى رسول الله.
سعد بن أبي وقاص
قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[لقمان: ١٥] نزلت قي سعد بن أبي وقاص قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أحدثت؟ والله لا آكل ولا أشرب حتى ترجع إلى ما كنت عليه، أو أموت فتعير بذلك أبد الدهر، يقال: يا قاتل أمك .. ثم إنها مكثت يوما وليلة لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل، فأصبحت قد جهدت ثم مكثت يوما آخر وليلة لم تأكل ولم تشرب، فجاء سعد إليها وقال: يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني، فكلي وإن شئت فلا تأكلي. فلما أيست منه أكلت وشربت فأنزل الله هذه الآية وأمره بالبر بوالديه، والإحسان إليهما، وعدم طاعتهما في الشرك لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
عبد الله بن عبد الله بن أبيّ ابن سلول
لما بلغه ما كان من أبيه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالديه مني، إني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار، فقال رسول الله:"بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
وذكر عكرمة أن الناس لما قفلوا راجعين إلى المدينة وقف عبد الله بن عبد الله ابن أبي على باب المدينة، واستل سيفه فجعل الناس يمرون عليه، فلما جاء أبوه عبد الله ابن أبي قال له ابنه: وراءك، فقال: مالك ويلك؟! قال: والله لا تجوز من ما هنا حتى يأذن لك رسول الله. فشكا إليه عبد الله بن أبي ابنه، فقال الابن: والله يا رسول الله لا يدخلنها حتى تأذن له، فأذن له رسول الله فقال: أما إذ أذن لك رسول الله فجز الآن.