للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو عبيدة بن الجراح

انطلق أبو عبيدة - رضي الله عنه - يوم بدر يصول بين الصفوف صولة من لا يهاب الردى فهابه المشركون، ويجول جولة من لا يحذر الموت، فحذره فرسان قريش وجعلوا يتنحون عنه كلما واجهوه، لكن رجلا واحدا منهم جعل يبرز لأبي عبيدة في كل اتجاه، فكان أبو عبيدة ينحرف عن طريقه ويتحاشى لقاءه ولجَّ الرجل في الهجوم، وأكثر أبو عبيدة من التنحي، وسد الرجل على أبي عبيدة المسالك، ووقف حائلا بينه وبين قتاله لأعداء الله.

فلما ضاق به ذرعا ضرب رأسه بالسيف ضربة فلقت هامته فلقتين، فخر الرجل صريعا بين يديه .. لا تحاول أيها القارئ الكريم، أن تخمن من يكون هذا الرجل الصريع، أما قيل لك: إن عنف التجربة فاق حسبان الحاسبين، وجاوز خيال المتخيلين، ولقد يتصدع رأسك إذا عرفت أن الرجل الصريع هو عبد الله بن الجراح والد أبي عبيدة. لم يقتل أبو عبيدة أباه، وإنما قتل الشرك في شخص أبيه. إنها المفاضلة الكاملة بين حزب الله وحزب الشيطان، والانحياز التام للصف المتميز.

عبد الله بن سهيل

هاجر إلى الحبشة بعد إسلامه تخلصا من أذى قريش، ثم شاء الله أن تصل أخبار كاذبة إلى مهاجري الحبشة، بأن قريشا قد أسلمت، وأن المسلمين باتوا يعيشون بين أهليهم بسلام، فعاد فريق منهم إلى مكة، وكان في جملة العائدين عبد الله بن سهيل، لم يكد أقدام عبد الله تطأ أرض مكة، حتى أخذه أبوه وكبله بالقيود، وألقى به في مكان مظلم من بيته، وجعل يتفنن في تعذيبه، ويلج في إيذائه، حتى أظهر لهم ارتداده عن دين محمد، وأعلن رجوعه إلى ملة آبائه وأجداده، فسري عن سهيل بن عمرو وقرت عينه، وشعر بنشوة النصر على محمد.

ثم ما لبث المشركون أن عزموا على منازلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدر فخرج معهم سهيل بن عمرو مصحوبا بابنه عبد الله، متشوقا لأن يرى فتاه يشهر السيف في وجه محمد، بعد أن كان واحدًا من أتباعه، ولكن الأقدار كانت تخبيء لسهيل ما لم يكن يقع له في حساب، إذ ما كاد يلتقي الجمعان على أرض بدر حتى فر الفتى المسلم المؤمن إلى صفوف المسلمين، ووضع نفسه تحت راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وامتشق حسامه ليقاتل به أباه ومن معه من أعداء الله (١).


(١) الناطقون بالحق ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>