الاستطلاع .. فقلت: هيا بنا .. وذهبت معه .. توضأت .. ودخلت المسجد .. وجلست .. وصليت المغرب .. ثم بدأ يتكلم .. وكان يتكلم واقفًا لا يرضى أن يجلس على كرسي .. وكان شيخًا كبيرًا شاب شعر رأسه ولحيته، ولكن القوة الإيمانية البركانية تتفجر من خلال كلماته؛ لأنه كان يتكلم بأرواح المدافع لا بسيف من خشب، وبعد أن فرغ من خطبته أحسست أني خرجت من عالم إلى عالم آخر .. من ظلمات إلى نور .. ولأول مرة أعرف طريقي الصحيح .. وأعرف هدفي في الحياة .. ولماذا خُلقت، وماذا يراد مني، وإلى أين مصيري.
وبدأت لا أستطيع أن أقدم أو أؤخر إلا أن أعانق هذا الشيخ وأسلم عليه، ثم عاد هذا الأخ يسألني عن انطباعي؟ فقلت له: اسكت وسترى انطباعي بعد أيام .. عدت في الليلة نفسها واشتريت جميع الأشرطة لهذا الشيخ .. وأخذت أسمعها إلى أن طلعت الشمس .. ووالدتي تقدم لي طعام الإفطار فأرده .. ثم طعام الغداء .. وأنا أسمع وأبكي بكاء حارًا .. وأحس أني قد ولدت من جديد .. ودخلت عالما آخر .. وأحببت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وصار هو مثلي الأعلى وقدوتي .. وبدأت أنكب على سيرته قراءة وسماعًا .. حتى حفظتها من مولده إلى وفاته، فأحسست أنني إنسان لأول مرة في حياتي .. وبدأت أعود فاقرأ القرآن، فأرى كل آية فيه تخاطبني أو تتحدث عني {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام: ١٢٢].
نعم .. لقد كنت ميتًا فأحياني الله .. ولله الفضل والمنة .. ومن هنا انطلقت مرة ثانية إلى أولئك الرفقاء الضالين المضلين .. وبدأت أدعوهم واحدًا واحدًا .. ولكن {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[القصص: ٥٦] أما أحدهم فقد تاب بإذن الله وفضله، ثم ذهب إلى العمرة .. فانقلبت به السيارة ومات وأجره على الله. وأما رئيس الخلية فقابلني بابتسامة صفراء وقال: يا أستاذ أحمد .. إنني أحسدك لأنك عرفت الطريق الآن .. أما أنا فاتركني .. فإن لي طريقي ولك طريقك .. ثم صافحني وانصرف .. وظل هو كما هو حتى الآن، وأما البقية فمنهم من أصبح ممثلاً، ومنهم من أصبح شاعرًا يكتب الأغاني وله أشرطة "فيديو" يلقي الشعر وهو سكران .. وسبحان الذي يخرج الحي من الميت .. من تلك اللحظة بدأت أدعو إلى الله رب العالمين (١).