عندما امتحن بالفتنة المشهورة في عهد المأمون والمعتصم والواثق، وهي القول بخلق القرآن الذي تزعمه المعتزلة، ثبت على موقفه الحق وأصر على رأيه الصريح، ولم يغير من جوابه الذي يردده كلما أفاق من إغماءة التعذيب والتنكيل، يقول: هو كلام الله غير مخلوق، ولبث في السجن عامين ونصف العام، ولما يئسوا من إخضاعه لما يريدون، ودالت دولة الباطل، أخرج من السجن واهي القوة مريضًا مثخنًا بالآلام، ولقد كان باستطاعته أن يتجنب هذا كله لو وافقهم على ما قالوا بلسانه فقط كما فعل كثير من العلماء في عصره لينجو بنفسه، ولكن بنظرته الثاقبة وأفقه الواسع وتأييد الله له رأى الناس من حول ينتظرون إجابته، ففضل المصلحة العامة -وهي الثبات على الحق والجهر به كي لا يفق الناس- على مصلحته الخاصة، وإن أدى ذلك إلى موته ..
قال له أحد تلامذته: يا إمام، قال الله تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[النساء: ٢٩].
فقال: اخرج فانظر أي شيء ترى.
فقال: فخرجت إلى رحبة دار الخلاقة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصى عددهم إلا الله، والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال الغلام: مكانكم، فدخل إلى الإمام أحمد، فقال: رأيت أقوامًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبون.
فقال: أفأضل هؤلاء كلهم؟ أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء.
يقول سيد قطب: آمن أنت أولاً بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الجاد! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون!! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة! لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنًا حيًا يدب على وجه الأرض في صورة بشر! كذلك لا وجود لشخص -في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص (١).
ثبات في محنة
سيق الأخ الشيخ "عبد المقصود حجر" إلى السجن الحربي عام ١٩٦٥ م فاستقبله العقيد شمس بدران -مع زفة من الضرب بالكرابيج والإهانات- وسأله شمس بدران: