للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علته التي مات فيها: إلى من نجلس بعدك يا أبا عبد الله؟ فاستشرف له محمد بن عبد الحكم، وهو عند رأسه ليوميء إليه، فقال الشافعي: سبحان الله أيشك في هذا، أبو يعقوب البويطي؟ فانكسر لها محمد، ومال أصحابه إلى البويطي مع أن محمدًا كان قد حمل عنه مذهبه كله، لكن البويطي كان أفضل وأقرب إلى الزهد والورع، فنصح الشافعي لله وللمسلمين وترك المداهنة.

يفول ابن عباس: أكرم الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت ألا يقع الذباب عليه لفعلت، وفي رواية: "إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني" (١).

٥ - التخفيف وترك التكلف

قال علي: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.

وقال الفضيل: إنما تقاطع الناس بالتكلف، يزور أحدهما أخاه فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه.

وقالوا: من سقطت كلفته دامت ألفته، ومن خفت مؤنته دامت مودته.

وقال جعفر الصادق: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه، وأخفهم عليَّ قلبي من أكون معه كما أكون وحدي.

وقال آخر: لا تصحب إلا من يتوب عندك إذا أذنبت، ويعتذر إليك إذا أسأت، ويحمل مؤنة نفسك ويكفيك مؤنة نفسه، وهذا منتهى الكمال وهو نادر وقليل.

وقال رجل للجنيد: قد عز الإخوان في هذا الزمان، أين أخ لي في الله؟

فأعرض الجنيد حتى أعاده ثلاثًا فلما أكثر قال له الجنيد: إن أردت أخًا يكفيك مؤنتك ويتحمل أذاك فهذا لعمري قليل، وإن أردت أخًا في الله تحمل أنت مؤنته وتصبر على أذاه، فعندي جماعة أعرفهم لك فسكت الرجل.

وقال بعضهم: إذا عمل الرجل في بيت أخيه أربع خصال فقد تم أنسه به: أكله عنده، ودخول الخلاء، والصلاة، والنوم.


(١) أخلاق الدعاة: ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>