لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - على يقين بأن الله سينجيه من الكفار، فاستشعر معية الله سبحانه وتعالى.
عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)} [الروم: ١ - ٥]، وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: ١ - ٤]. فقال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ -وذلك قبل تحريم الرهان- فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، قالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ اقسم بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه، قالوا: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت ست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، قال: فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين لأن الله قال: في بضع سنين ولم يقل في ست سنين، فأسلم عند ذلك ناس كثير [رواه الترمذي].
كان أبو بكر على يقين بما قاله الله تبارك وتعالى، فتواعد مع الكفار على موعد محدد.
الله قال هذا؟!
عن أبي عبد الله مردنيش المغربي أنه أغار يومًا فغنم غنائم كثيرة، واجتمع عليه من الروم كثر من ألف فارس، فقال لأصحابه وكانوا ثلاثمائة فارس: ما ترون؟ فقالوا: نشغلهم بترك الغنائم، قال: ألم يقل الله {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[الأنفال: ٦٥]، فقال أصحابه: يا رئيس، الله قال هذا؟ فقال: الله يقول هذا وتقعدون عن لقائهم؟! قال: فثبتوا فهزموا الروم.