والظاهر أن هذا من فعل بقية؛ مرَّةً روى الحديثَ على وجهِه عن معاويةَ عن أبي بكرٍ القتبيِّ عن أبي الزنادِ، ومرّةً أخرى سوَّى الإسنادَ؛ فرواه عن معاويةَ عن أبي الزنادِ، وأسقطَ القتبيَّ. ومن عادة بقيةَ أيضًا أن يكنيَ الضعفاءَ والمجهولين كي لا يُتَفَطَّنَ لهم، قال أحمد: "إذا حدَّث (يعني: بقية) عن قومِ ليسوا بمعروفينَ فلا"؛ يعني: لا تقبلوه، وقال ابنُ معينِ: "إذا كنَّى ولم يسمِّ اسَمَ الرجلِ فليس يساوي شيئًا". "الجرح والتعديل" (٢/ ٤٣٥). وأبو بكرٍ القُتَبيُّ مجهولٌ، ولعلَّه أحدُ الضعفاءِ فكناه بقيةُ لئلا يُعرَفَ. وقد سئل أبو حاتمٍ عن هذا الحديثِ فقال: "هذا حديثٌ منكَرٌ، يُحتَمَلُ أن يكونَ بين معاويةَ وأبي الزنادِ عبادُ بن كثيرٍ". "العلل" (ص: ١٢٨٥/ المسألة: ١٨٧٠). وقال أبو زرعة: "الصحيحُ ما رواه الدَّرَاوَردِيُّ عن عبادِ بن كثيرٍ عن أبي الزنادِ، فبينَ معاويةَ بن يحيى وأبي الزنادِ عبادُ بن كثير". "العلل" (ص: ١٢٩٦/ المسألة: ١٨٩٢). قلتُ: ظهر أنَّ الذي بين معاويةَ وأبي الزنادِ هو أبو بكرٍ القتبيُّ، ولعلَّه هو نفسه عبادُ بنُ كثيرٍ فكناه بقيةُ لئلا يعرف. فالله أعلم. أما رواية الدَّراورديِّ عن عبادٍ عن أبي الزنادِ التي أشار إليها أبو زرعةَ فسيأتي الكلامُ عليها في موضِعها. وقد استنكرَ هذا الحديثَ بهذا السندِ عددٌ من الأئمةِ، منهم: أبو أحمدَ الحاكمُ؛ فقال: "هذا حديثٌ منكرٌ لا يحتَمِلُه أبو الزنادِ، وأبو بكرٍ القتبيُّ رجل مجهولٌ لا يُدرَى مَن هو". "الكنى" (٢/ ٢٦٤). وكذا استنكره ابن عدي في "الكامل" (٤/ ١١٥)، والذهبي في "المقتنى" (١/ ١٢٩). (١) "الشعب" (١٢/ ٣٣٧) رقم (٩٤٨١) من طريقِ أبي محمَّدٍ الفاكهيِّ، وهو في "فوائده" (٢٨٨) رقم (١١١) من حديثِ عبدِ الله بنِ أحمد بن أبي مسرَّةَ عن يحيى بن محمد الجاري عن الدَّراورديِّ. وإسنادُه إلى الدَّرَاوَرديِّ حسنٌ: عبدُ الله بنُ أحمدَ بنِ أبي مسرَّةَ: قال ابنُ أبي حاتم: "محلَّه الصدقُ". "الجرح" (٥/ ٦). ويحيى بنُ محمدٍ الجاري (في "الشعب": الحارثي، وهو خطأ): وثقه العجليُّ "معرفة الثقات" (٢/ ٣٥٧)، وقال ابنُ عديٍّ: "ليس بحديثِه بأسٌ" "الكامل" (٧/ ٢٢٦)، وذكره ابنُ حبان في "الثقات" (٩/ ٢٥٩) وقال: "يُغرِبُ"، وقال الدارقطني: "لا بأس به" "العلل" (١٣/ ٨٧). =