٥ - في غزوات بدر وأحد والخندق وخيبر والفتح وحنين أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل تخوف عند أصحابه ضد الجاهلية العربية أو ضد أي وجود على الأرض العربية. وفي غزوة تبوك أوجد عليه الصلاة والسلام الجرأة عند أصحابه على اقتحام غمرات الصراع مع الدول الكبرى فكان أن حمل الراية الأصحاب بعده فأنهوا الردة بسرعة، ودخلوا في صراع مباشر ضد الدولتين العظميين وقتذاك فارس والروم.
٦ - ولم يتوف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد أوجد سوابق حركية في كل جانب من الجوانب التي تتطلبها الحركة الإسلامية:
دعوياً، وتربوياً، وثقافياً، وتعليمياً، وجهادياً. لقد كانت السوابق على منتهى الجلال، فسجلت أرفع التضحيات وأعلى أنواع القدوة، ولذلك كانت الحركة عند الجيل الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعصابه ودمه، ولذلك ذاب جيل الصحابة في هذا العالم وأعطى هذا الإسلام دفعة الحياة إلى قيام الساعة، لقد جدد جيل الصحابة عملية السيطرة على الجزيرة العربية ثم انساح في البلاد انسياحاً حقق غرضين بآن واحد:
لم يعط فرصة للثأر الجاهلي أن يظهر، ولم يعط فرصة لخصم خارجي أن يتدبر أمره.
ومع هذا وهذا كانت حركة الصهر تستمر للعناصر الإسلامية الجديدة من خلال حركية الدعوة والقدوة والتعليم والجهاد، وكانت العملية من الضخامة بحيث أفلت منها بعض الأمور التي كانت عاملاً من عوامل الفتنة الكبرى ولكن يشفع لذلك عظم التوجه وضخامة الإنجاز. كانت العيون متوجهة كلها نحو معركة الإسلام، فأتي الصف من داخله، ولكن حيوية الانطلاق كانت أكبر من كل شيء فلم تعصف الفتنة بالإسلام ولكن أخرت مسيرته.
٧ - إن حدوث الردة على هذه الضخامة بعده، ثم ضخامة الفتنة بعد ذلك في زمن عثمان رضي الله عنه دليلان على تفرد قيادته عليه الصلاة والسلام، فالردة بعد وفاته تشير إلى أن هيبته عليه الصلاة والسلام استحوذت على القلوب فأمسكتها، والفتنة بعده تشير إلى أن سياسته عليه الصلاة والسلام هي أرقى السياسات، فمهما كانت عظمة السائسين بعده فالأمر ليس كما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام، ثم انتقلت الخلافة الراشدة بعده إلى ملك