بعد صلح الحديبية أمن الرسول صلى الله عليه وسلم أمناً مباشراً من قريش ومن دخل معها في هذا الصلح، وأمن بالتالي من أن تجتمع عليه الجزيرة العربية كلها مرة ثانية، ولم يعد هناك ما يمكن أن يشكل تهديداً مباشراً للدولة إلا جهة واحدة وهي جهة الشمال، ففي هذه الجهة أربع تجمعات لليهود في خيبر ووادي القرى وفدك وتيماء، وهذه التجمعات متصلة اتصالاً مباشراً بعدد من القبائل العربية أهمها غطفان، فلو أنها اتحدت لشكلت خطراً أما من عدا هؤلاء وإلى دائرة واسعة حول المدينة المنورة فلا خطر فهناك قبائل متفرقة لا تفكر إلا في السلب والنهب وكانت سياسة الرسول مع هذه القبائل تقوم على إشعارها بالحركة المستمرة من خلال البعوث والسرايا، وهذه البعوث والسرايا كانت تحقق هدفين: إشعار هؤلاء بالإسلام ليفكروا، وتثبيتهم حتى لا يهاجموا، وتحركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلت في هذا العام إلى الطائف (تربة) وإلى نجد (غزوة الرقاع)، أما خيبر ووادي القرى وفدك وتيماء فقد قرر السيطرة عليها وكانت خطته ألا يعطيها فرصة التجمع مع غطفان وقد نجح في إنهاء خيبر ولم تستطع غطفان أن تفعل شيئاً ثم ذابت بعد ذلك في الإسلام.
وهكذا أصبحت دائرة أمن المدينة ممتدة غرباً حتى الساحل وجنوباً حتى الطائف وشمالاً حتى حدود الشام وشرقاً حتى حدود نجد، وأما الدائرة التي تلي هذا فقد اخترقتها الدعوة الإسلامية السلمية بواسطة الرسائل والدعاة فأصبح قسم كبير من الخليج مسلماً وقسم كبير من اليمن مسلماً، وبقيت جهات كثيرة تفكر وتنتظر، وكل يوم يأتي كان يدنيها من الإسلام والطاعة والانقياد، وجاءت ضربة خيبر فأزالت الكثير من التردد، ثم جاء فتح مكة في السنة الثامنة منه فكانت الضربة النهائية.