أي أفق ذلك الأفق الذي نطل عليه ونحن نقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث الكفاءة من جهة والتأييد الإلهي أولاً وأخيراً من جهة ثانية، لم يكن بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويهود خيبر عهد ولا عقد، وكان المتوقع أن يثأروا لإخوانهم بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع، كما كان من المتوقع أن يلعبوا دورهم في التأليب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأينا في أحداث السنة السادسة أن بني سعد راسلوا يهود خيبر للعمل المشترك على أن يعطيهم اليهود تمر خيبر، ولكن سرية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتذاك أجهضت الفكرة، وإذن لابد من عمل ضد خيبر، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل ذلك عاماً كاملاً حتى وادع قريشاً وبذلك أسقط في أيدي أهل خيبر أن يجتمعوا حول قريش أو أن تأتيهم نصرة من قبلها وقبل أن يصل إلى ديارهم أرسل سرية إلى غطفان فحال بينها وبين إمداد خيبر، وأسقط في أيدي اليهود أن يأتيهم مدد من هذا الجانب، ومن قبل غزا بني سعد وأفقدهم قوتهم التي يمكن أن يتحركوا بها نحو خيبر وبهذا كله لم يعد أمام خيبر إلا التسليم، والتسليم وليس الاستئصال هو هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستراتيجي إلا إذا كانت هناك أسباب تتطلب غير ذلك كما حدث في أول قيام الدولة، ومن خلال هذه النظرة البعيدة المدى وصل في النهاية فعلاً إلى أن سلمت له العرب جميعاً، وجاءته وفودها من كل حدب وصوب، وهكذا وبأقل الخسائر وحد الجزيرة العربية تحت سلطانه بالهيبة والرعب وبالتربية والحب وبالدعوة والعلم ولن نستبق الأحداث، فأحداث السنة الثامنة كانت هي القنطرة لهذا كله، وذلك بعد أن أزال سلطان قريش السياسي وسلطان اليهود السياسي فلم يبق أمامه شيء.
تظهر لك في أحداث هذه السنة وغيرها حوادث تدلك على التأديب المستمر الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتقي به بأصحابه، كحادثة قتل أسامة لمن أسلم تحت السيف. هذه الحوادث تدلك على ملاحقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطاء النفس البشرية حتى خلصت لله زاكية مزكاة.