فيصلى وراءه أهل المدينة وأولئك الآخرون، وذهب الصحابة إلى هؤلاء يؤنبونهم ويعذلونهم على رجوعهم، حتى قال على لأهل مصر: ما ردكم بعد ذهابكم ورجوعكم عن رأيه فقالوا: وجدنا مع بريد كتاباً بقتلنا، وكذلك قال البصريون لطلحة، والكوفيون للزبير، وقال أهل كل مصر: إنما جئنا لننصر أصحابنا، قال لهم الصحابة: كيف علمتهم بذلك من أصحابكم، وقد افترقتم وصار بينكم مراحل؟ إنما هذا أمر اتفقتم عليه، فقالوا: ضعوه على ما أردتم، لا حاجة لنا في هذا الرجل، ليعتزلنا ونحن نعتزله - يعنون أنه إن نزل عن الخلافة تركوه أمناً - وكان المصريون فيما ذكر، لما رجعوا إلى بلادهم وجدوا في الطريق بريداً يسير، فأخذوه ففتشوه، فإذا معه في إداوة كتاباً على لسان عثمان فيه الأمر بقتل طائفة منهم، وبصلب آخرين، وبقطع أيدي آخرين منهم وأرجلهم، وكان على الكتاب طابع بخاتم عثمان، والبريد أحد غلمان عثمان وعلى جملة، فلما رجعوا جاءوا بالكتاب وداروا به على الناس، فكلم الناس أمير المؤمنين في ذلك، فقال: بينة على بذلك وإلا فو لله لا كتبت ولا أمليت، ولا دريت بشيء من ذلك، والخاتم قد يزور على الخاتم، فصدقه الصادقون في ذلك، وكذبه الكاذبون، ويقال: إن أهل مصر كانوا قد سألوا من عثمان أن يعزل عنهم أبي سرح، ويولي محمد بن أبي بكر، فأجابهم إلى ذلك، فلما وجدوا ذلك البريد ومعه الكتاب بقتل محمد بن أبي بكر، وآخرين معه فرجعوا وقد حنقوا عليه حنقاً شديداً، وطافوا بالكتاب على الناس، دخل ذلك في أذهان كثير من الناس.
واستمر عثمان يصلى بالناس في تلك الأيام كلها، وهم أحقر في عينيه من التراب، فلما كان في بعض الجمعات وقام على المنبر، وفي يده العصا التي كان يعتمد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما من بعده، فقام إليه رجل من أولئك فسبه ونال منه، وأنزله عن المنبر، فطمع الناس فيه من يومئذ.
[ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان]
لما وقع ما وقع يوم الجمعة، وشج أمير المؤمنين عثمان، وهو في رأس المنبر، وسقط مغشياً عليه، واحتمل إلى داره وتفاقم الأمر، وطمع فيه أولئك الأجلاف الأخلاط من الناس، وألجأوه إلى داره وضيقوا عليه، وأحاطوا بها محاصرين له، ولزم كثير من الصحابة