الكوفة وهي حصباء في رملة حمراء، فأعجبتهما ووجد هنالك ديرات ثلاث دير حرقة بنت النعمان، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وبين ذلك خصاص خلال هذه الكوفة، فنزلا فصليا هنالك، ثم كتبا إلى سعد بالخبر، فأمر سعد باختطاط الكوفة، وسار إليها في اول هذه السنة في محرمها، فكان أول بناء وضع فيها المسجد، وأمر سعد رجلاً رامياً شديد الرمي، فرمى من المسجد إلى الأربع جهات فحيث سقط سهمه بنى الناس منازلهم، وعمر قصراً تلقاء محراب المسجد للإمارة وبيت المال، فكان أول ما بنوا المنازل بالقصب، فاحترقت في أثناء السنة، فبنوها باللبن عن أمر عمر، بشرط أن لا يسرفوا ولا يجاوزوا الحد، وبعث سعد إلى الأمراء والقبائل فقدموا عليه، فأنزلهم الكوفة، وأمر سعد أبا هياج الموكل بإنزال الناس فيها بان يعمرو ويدعوا للطريق المنهج وسع أربعين ذراعاً - أي نحوعشرين متراً - ولما دون ذلك ثلاثين وعشرين ذراعاً، وللأزقة سبعة أذرع. وبُني لسعد قصر قريب من السوق، فكانت غوغء الناس تمنع سعداً من الحديث، فكان يغلق بابه ويقول: سكن الصويت، فلما بلغت هذه الكلمة عمر بن الخاب بث محمد بن مسلمة، فأمره إذا انتهى إلى الكوفة أن يقدح زناده ويجمع حطباً ويحرق باب القصر ثم يرجع من فوره. فلما انتهى إلى الكوفة فعل ما أمره به عمر، وأمر سعداً أن لا يغلق بابه عن الناس، ولا يجعل على بابه أحداً يمنع الناس عنه، فامتثل ذلك سعد وعرض على محمد بن مسلمة شيئاً من المال فامتنع من قبوله، ورجع إلى المدينة، واستمر سعد بعد ذلك في الكوفة ثلاث سنين ونصف، حتى عزله عنها عمر، من غير عجز ولا خيانة.
وذكر ابن جرير أن عمر بن الخطاب عقد الألوية والرايات الكبيرة في بلاد خراسان والعراق لغزو فارس والتوسع في بلادهم كما أشار عليه بذلك الأحنف بن قيس، فحصل بسبب ذلك فتوحات كثيرة في السنة المستقبلة بعدهاز
[ثم دخلت سنة ثماني عشرة]
قال ابن إسحاق، وأبو معشر: كان في هذه السنة طاعون عمواس وعام الرمادة، فتفانى فيهما الناس. قلت: كان في عام الرمادة جدب عم أرض الحجاز، وجاع الناس جوعاً شديداً، وسميت عام الرمادة لأن الرض اسودت من قلة المطر حتى عاد لونها شبيهاً