الجواب، ثم قال: يا أبا عمرو: قد يقع للبخاري الغلط في أهل الشام، وذلك أنه أخذ كتبهم، فنظر فيها، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته، ويذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان، فأما مسلم، فقلما يقع له الغلط، لأنه كتب المقاطيع والمراسيل.
وقال محمد بن يعقوب الأخرم - وذكر كلاماً معناه -: قلما يفوت البخاري ومسلماً مما يثبت في الحديث حديث.
قال الخطيب أبو بكر البغدادي: إنما قفا مسلم طريق البخاري، ونظر في علمه وحذا حذوه.
ولما ورد البخاري نيسابور في آخر مرة، لازمه مسلم، وأدام الاختلاف إليه.
وقال الدارقطني: لولا البخاري لما ذهب مسلم ولا جاء.
[صحيح الإمام مسلم]
وهو أحد الكتابين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، واللذين تلقتهما الأمة الإسلامية بالقبول.
وقد بالغ الإمام مسلم في البحث والتحري عن الرجال، والتمحيص للمرويات، والموازنة بينهما، والتدقيق في تحرير الألفاظ، والإشارة إلى الفروق بينها، حتى جاء صحيحه على الهيئة الكاملة، التي ينشدها أهل البحث والمعرفة.
وليس أدل على هذا من أنه انتقى كتابه من ألوف الروايات المسموعة، روى عنه أنه قال:(صنفت هذا الصحيح من ثلثمائة ألف حديث).
والكتاب ثمرة حياة مباركة استغلها صاحبها في السفر والارتحال والكد والجد، والجمع والحفظ، والكتابة والتنقيح، حتى كان كما ترى صحة وتهذيباً وتنسيقاً، وقد مكث هو وبعض تلاميذه يكتبون ويحررون حتى تم تأليفه في خمس عشرة سنة.
روي عن أحمد بن سلمة أنه قال: كتبت مع مسلم في تأليف صحيحه خمس عشرة سنة وهو اثنا عشر ألف حديث.