للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بشيطانٍ، ولم تأتني بإنسانٍ، فأخرجها من أرضي، وأعطها هاجر.

قال: فأقبلت تمشي، فلما رآها إبراهيم - عليه السلام - انصرف، فقال لها: مهيمُ، قالت: خيراً، كف الله يد الفاجرِ، وأخدم خادماً".

قال أبو هريرة: فتلك أمكمْ يا بني ماء السماء.

تعليق حول صدق إبراهيم - عليه السلام -:

ما ذكره إبراهيم - عليه السلام - في المواقف الثلاثة إنما هو من التورية الجائزة، وإنما أطلق عليه الكذب مجازاً، قال النووي في شرحه لمسلم:

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " .... ثنتين في ذات الله - تعالى - .... ، وواحدة في شأن سارة .. " فمعناه:

أن الكذبات المذكورة إنما هي بالنسبة إلى فهم الخاطب والسامع، وأما في نفس الأمر فليست كذباً مذموماً، لوجهين، أحدهما: أنه ورَّى بها، فقال في سارة: أختي في الإسلام، وهو صحيح في باطن الأمر، وسنذكر - إن شاء الله تعالى - تأويل اللفظين الآخرين (١). والوجه الثاني: أنه لو كان كذباً لا تورية فيه لكان جائزاً في دفع الظالمين، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم يطلب إنساناً مختفياً ليقتله، أو يطلب وديعة لإنسان ليأخذها غصباً، وسأل عن ذلك وجب على من علم ذلك إخفاؤه وإنكار العلم به، وهذا كذب جائز بل واجب لكونه في دفع الظالم فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم.

ولعله من أجل كمال صدق إبراهيم - عليه السلام - سماه الله - تعالى - في التنزيل الشريف: {.... صِدِّيقًا نَبِيًّا} (٢)، ولعل أيضاً من إنعامات الله عليه لهذا الصدق أن


(١) قال النووي في موضع آخر: وذكروا في قله: إني سقيم، أي: سأسقم، لأن الإنسان عرضة للأسقام، وأراد بذلك الإعتذار عن الخروج معهم إلى عيدهم وشهود باطلهم وكفرهم. وقيل: سقيمبما قدر عليَّ من الموت. وقيل: كانت تأخذه الحي في ذلك الوقت. وأما قوله: بل فعله كبيرهم، فقال ابن قتيبة وطائفة: جعل النطق شرطاً لفعل كبيرهم، أي فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون، وقال الكسائي: يوقف عند قوله: بل فعله، أي فعله فاعله فأضمر، ثم يبتديء فيقول: كبرهم هذا، فأسألوهم عن ذلك الفاعل.
(٢) مريم: ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>