كان الموقف الذي تمخضت عنه أحداث السنة الخامسة يحتاج إلى استثمار، ولا أعرف في تاريخ العالم أحداً يستطيع أن يستثمر وضعاً كما يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جرى في السنة السادسة نموذج على ذلك، فلقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم زخم (١) السرايا والبعوث كما لم يفعل من قبل وبذلك ثبت القبائل كلها، كل في مكانه، وفي هذا الجو أعلن أنه يريد العمرة وبهذا بلغ صلى الله عليه وسلم قمة الموقف، فالقبائل مثبتة، وشعار العمرة لا يرفضه أحد، وبهذا دخلت قريش في أكبر إحراج سياسي وعسكري، فلو شاءت أن تستنفر العرب لقتال لا تجد من يستجيب، فمن يقاتل من يريد العمرة؟! ولو أرادت أن تتحد لقتال فإنها لا تستطيع لأنه لا يمكن أن يجتمع أهل مكة على قتال العمار فلم يكن أمامها إلا أن تصالح، وبهذا الصلح حقق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر انتصار سياسي، فبهذا الصلح ترك الشرك بلا رأس ولا قيادة، وبهذا أصبح وحده سيد الموقف، وأصبح بإمكانه أن يضرب حيث شاء دون أن يخشى تجمع الأطراف ضده، فقد أصبح أبناء الجزيرة أمامه أفراداً أو فئات قليلة، وهذا أعطاه فرصاً كبيرة منها: فتح خيبر وغيرها كما سنرى في أحداث السنة السابعة، وفي خضم هذه الإنجازات الهائلة نجد مشكلات في غاية الضخامة، ومتاعب كثيرة، وكل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعامل معه على أقوى ما يكون التعامل ولا نستبق الأحداث.
فلنبدأ بما اعتدنا أن نبدأ به من ذكر أحداث السنة في سطور، ولعلك من هذه السطور تتعرف على بعض ما ذكرناه.