فيما بلغنا - حُزناً غدا منه مراراً كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يُلقي نفسه منه: تبدى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بروة جبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك).
وأخرج الترمذي (١) طرفاً من هذا الحديث عن عائشة قالت: (أول ما ابتُدئ به رسول الله صلى الله عيه وسلم من النبوة حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به: أن لا يرى شيئاً إلا مثل فلق الصبح فمكث على ذلك ما شاء الله أن يمكث، وحبب إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو.
* * *
[السر في الخلوة]
عند قوله: (ثم حبب إليه الخلاء) قال صاحب الفتح:
والخلاء بالمد الخلوة، والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له.
أقول: وقد أخذ بعض أهل السلوك إلى الله من ذلك فكرة الخلوة مع الذكر والعبادة في مرحلة من مراحل السلوك؛ لتنوير القلب وإزالة ظلمته وإخراجه من غفلته وشهوته وهفواته، وبعضهم يستحبها للسالك في أول سيره ويركز على الاعتكاف في رمضان وغيره، أخذاً من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الابتداء والانتهاء.
* * *
[حياته قبل النبوة]
عند قول خديجة:(كلا والله لا يخزيك الله أبداً. إنك .....).
قال صاحب الفتح: استدلت على ما أقسمت عليه من نفي ذلك أبداً بأمر استقرائي،
(١) الترمذي (٥/ ٥٩٦) ٥٠ - كتاب المناقب، باب: ٦. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.