عنه من قلاقل وأحزان، ولو كان الأمر مغامرة فرد بنفسه لقيل: مغامر طياش، فكيف وهو ينطلق في طول البلاد وعرضها، يحمل أهله وولده؟ وكيف وهو بذلك رضي الضمير، وضاء الوجه؟!
إنه الإيمان الذي يزن الجبال ولا يطيش! وإيمان بمن؟ بالله الذي له ما في السماوات والأرض، وله الحمد في الأولى والآخرة، وهو الحكيم الخبير.
هذه الصعاب لا يطيقها إلا مؤمن، أما الهيِّاب الخوَّار القلق، فما يستطيع شيئاً من ذلك، إنه من أولئك الذين قال الله فيهم:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ...}(١).
أما الرجال الذين التقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم في مكة، وقبسوا منه أنوار الهدى، تواصوا بالحق والصبر. فإنهم نفروا - خفافاً - ساعة قيل لهم: هاجروا إلى حيث تعزون الإسلام وتؤمنون مستقبله.
* * *
[الهجرة من دار الحرب إلى دار السلام]
وقال الأستاذ البوطي:
يستنبط من مشروعية هذه الهجرة حكمان شرعيان:
١ - وجوب الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، روى القرطبي عن ابن العربي:(أن هذه الهجرة كانت فرضاً في أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهي باقية مفروضة إلى يوم القيامة. والتي انقطعت بالفتح، إنما هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإ بقي في دار الحرب عصى). ومثل دار الحرب في ذلك كل مكان لا يتسنى للمسلم فيه إقامة الشعائر الإسلامية من صلاة وصيام وجماعة وأذان، وغير ذلك من أحكامه الظاهرة.