لقلة جيل الصحابة بالنسبة لمجموع من دخل في الإسلام من جديد، ونتيجة لتفرق الصحابة في الأمصار، وكانت هذه المستجدات تحتاج إلى مبادرات تكافئها وإجراءات تتناسب معه، ولم يكن التركيب النفسي للمسلمين يسمع بهذه المبادرات، ولذلك بقيت العفوية هي التي تحكم الوضع الجديد مما أتاح للمتآمرين فرص الانقضاض.
[٥ - عدم مراعاة الرأي العام السائد]
لقد كانت سياسة أبي بكر وعمر تقوم على الحذر والبعد عن أي مظنة تهمة، وألف المسلمون هذه السياسة حتى اعتبروها بدهية، وكان جزء من هذه السياسة عدم تقريب الأقارب وعدم استعمالهم على الولايات، فلما جاء عثمان كان الرأي العام السائد وقتذاك أن هذه الأمور يجب أن تراعي، فلما أحس الناس أن بني أمية قد أصبحت الأمور بيدهم وموقفهم من الإسلام قريب لم ينس بعد، ورأي الناس أن الذين ضحوا وبذلوا وجاهدوا وسبقوا لهم من الأمر شيء، دخلوا في دائرة التذمر أو اللامبالاة، ومتي وجد التذمر عند بعض الناس واللامبالاة عند الآخرين فالانفجار حاصل، وقد كان.
...
هذه المعاني كلها توصلنا إلى الدرس التالي:
إن الشرعية الدستورية وحدها ليست كافية لاستقرار الحكم إذا لم يرافقها تلاحم في الصف الأول وحرص عند هذا الصف على النظام، وإذا لم يرافقها قوة مبادرة تسبق المشكلة أو تحلها سريعاً وإذا لم يرافقها رؤية واضحة للواقع وحسن تعامل معه، ومع هذا كله لا بد من استشراف للتركيب النفسي للأمة وحسن تأت لتوجيه الوجهة الصالحة وجعله متفاعلاً مع النظام.
ولا نريد بهذا الكلام أن نوجه نقداً لعثمان فقد كان يسير بسياسة يستقبلها الصديقون بالتسليم وكان يتعامل مع الناس ويعاملهم بروح الصديقين، ولكن المجتمع الإسلامي طرأت عليه طوارئ ومستجدات تجعلها نحاول أخذ العبرة، ونبرأ إلى الله عز وجل من كل من يظن سوءاً بعثمان أو ينتقصه.