للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصل: في حصار الشِّعْب

بدأ حصار الشعب في السنة السابعة للبعثة، واستمر ثلاث سنوات وانتهى على القول الراجح في المحرم من السنة العاشرة. تعاقدت قريش على بني هاشم وبني المطلب ألا ينكاحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل، وكتبوا هذا في صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب إلى شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة، واشتد الحصار وقطعت عنهم الميرة والمادة حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً ولا يشترون حوائج إلا في الأشهر الحرم أو مما يرد إلى مكة من خارجها، ومع ذلك كانت قريش تزيد عليهم في السعر، ثم تحركت عواطف أهل النخوة والأريحية فأبطلوا الصحيفة، ولما أرادوا تمزيقها وجدوا الأرضة أكلتها إلا قولهم (باسمك اللهم). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عمه بذلك فكانت معجزة، وقد ذكر البخاري حادثتين أشار فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تقاسم المشركين على كفرهم هذا في خيف (١) بني كنانة مرة بمناسبة غزوة حنين ومرة بمناسبة الحج، وكتب السيرة طافحة بأخبار هذا الحصار ومأسيه، وقد ذكره البخاري في صحيحه مرتين وها نحن ننقل إحدى الروايتين وننقل ما ذكره ابن حر بمناسبة إحداهما:

١١٧ - * روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من الغد يوم النحر وهو بمنى: "نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر" يعني بذلك المحصب، وذلك أن قُريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب - أو بني المطلب - أن لا يُنكاحوهم ولا يُبايعوهم حتى يُسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. وقال سلامةُ عن


(١) خيف: الخيف: الناحية أو ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسب مسيل الماء وبها سمي مسجد الخيف أو لأنها ناحية من منى.
١١٧ - البخاري (٢/ ٤٥٣) ٢٥ - كتاب الحج - ٤٥ - باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة.
الحصب: الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح، أو المحصب موضع رمي الجمار بمنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>