١ - حسن التعامل مع النفس البشرية شرط النجاح في العمل السياسي أو العسكري أو التربوي أو التعليمي أو الإداري أو الإعلامي، بل عمم ذلك على كل شيء في الحياة البشرية فمن لا يحسن التعامل مع النفس البشرية ساقط حكماً في القيادة. والذين يحسنون التعامل مع النفس البشرية نوعان: فنوع يتعامل معها من خلال أهوائها وغرائزها وشهواتها وهؤلاء هم الأخس من القادة، ونوع يحسن التعامل معها من خلال معرفتها وإدراك جوانب الخير فيها والارتقاء بهذه الجوانب، ومحمد صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء هو المثل الأعلى، فهو أكثر خلق الله إدراكاً للنفوس ومعرفة بها، وهو أكثر خلق الله معرفة بالتعامل مع النفوس في أي موطن، وبذلك نجح في إيصال دعوته إلى القلوب ونجح في الانتقال بالأنفس من طور إلى طور على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأمة، وهذا شيء تلحظه في الصغيرة والكبيرة من تصرفاته، ولقد مرت معنا في أحداث هذه السنة أكثر من حادثة تعتبر نموذجاً على ما ذكرناه، فحادثة ثمامة بن أثال واستخراج الإيمان منه، وحادثة إثارة الإبل في وجه سيد الأحابيش تعتبران نموذجين كاملين على ما ذكرناه، ففي حادثة ثمامة تجد طريقة من التعامل مع عدو شديد العداوة وتتمخض عن إيمان وحب، ومع أنه عليه الصلاة والسلام في الظاهر لم يدعه ولم يناقشه، وحادثة إثارة البدن في وجه سيد الأحابيش نقلت الأحابيش كلهم من الضدية إلى المعية دون أن يجري أي حوار، إنك عندما تتأمل حياته عليه الصلاة والسلام تجد من أبرز معانيها القدرة العليا على التعامل مع النفس البشرية ومن ثم نجح رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاح الذي لم يعرفه غيره إلا لماما، ولا غرابة فمن جملة مهماته عليه الصلاة والسلام كما حددها القرآن:
{ويزكيكم} وكيف يستطيع التزكية من لا يعرف النفس البشرية ويحسن التعامل معها، انظر كيف تعامل مع فتنة المنافقين يوم قال قائل يا للأنصار وقال الآخر يا للمهاجرين، وكيف أنه أنهى هذه الفتنة الكبيرة من خلال الحركة السريعة المباشرة المتقنة فصرف الأذهان عما حدث.
إن حسن التعامل مع النفس البشرية يقتضي من صاحبه أن يتصرف مع كل نفس بما