هذا هو الخط العريض لهذه المحاضرات، وكم فيها من معانٍ عظيمة، وكنوز راقية، وكم فندت فيها أخطاء وشبهات، لذلك أجدني أسير النقل عنها في هذه المقدمة شعوراً مني بأن ذلك يخدم أغراضها.
(١)
حاجة البشرية إلى الدين
إن أعظم احتياجات البشر على الإطلاق هي حاجتهم إلى دين، يعطيهم تصورات صحيحة، ويطلق طاقاتهم في طريق مستقيم وبسلوك قويم، والرسل من بين خلق الله تعالى هم الذين قدموا للبشرية ذلك من خلال الدعوة والقدوة، أما من سواهم من أمراء وملوك وشعراء وأدباء وغير ذلك ممن ليسوا على قدم الأنبياء فهؤلاء مهما أعطوا البشرية فإنهم يعطونها ما هو دون الاحتياج الأعظم، بل هم يضلونها ويعذبونها، وفي كل الأحوال فهم لا يشكلون القدوة الرفيعة للإنسانية الجديرة بالاحترام.
هذا هو المحور الرئيسي للمحاضرة الأولى التي سار فيها المؤلف على الترتيب التالي:
أ - الحديث عن مكانة الإنسان في هذا الكون، ومحله في تسلسل مراتب الكمال الحياتي، وأنه أُعطِيَ استعداداً للكمالات فاقت ما أُعطيه كل مخلوق، وقد سخر الله له المخلوقات كلها.
ب - هذا الإنسان عنده استعداد للعدل والعلم كما أن عنده استعداداً للظلم والجهل، وهو بدون هداية الأنبياء يغلب عليه الظلم والجهل، بينما تجعله هداية الأنبياء سائراً في طريق العدل والعلم، والبشرية لم يزل مستقراً في ضميرها حب العلم والعدل، ولذلك فقد استقر في ضميرها تقديس الأنبياء والرسل، وازدراء الظالمين والجاهلين.
ج - وإذا كان الرسل والأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هم الذين دعوا بالحال والمقال إلى العدل والعلم، فقد استقامت بهم الحياة، وتحقق بهم فلاح الإنسان وصلاحه وسعادته، بينما نجد غيرهم في تاريخ البشرية قد لمعت أسماؤهم، ولكن من منهم ترك لمن أتى بعده أسوة