١ - إن الحكم ليس لعبة ولا تسلية ولا متعة، وإن بناء الدول ليس ألهية ولا عبثاً، فكيف إذا كان الحكم إسلامياً، والبناء يراد به ساحتا الدنيا والآخرة والحاضر والمستقبل، إن من يرى هذه السلسلة من العمليات المتلاحقة والتضحيات الكثيرة يدرك ماهية الطريق لحفظ الحكم وإقامة البناء، إنك ترى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليقظة الدائمة والحذر الدائم والجدية في الصغيرة والكبيرة وعلى المسلمين جميعاً أن يدركوا هذا الدرس، إن العرض والدين والمال والحكم لا يصح أن تطرف عين الإنسان فيها إلا على وعي وحذر، فإذا ما نامت العيون على واحدة من هذه الشؤون فما أسرع أن تصاب ولات ساعة مندم.
٢ - الناس قسمان فمنهم عاملون ومنهم قاعدون، فالقاعدون لا يرتكبون خطأ القعود فقط ولكنهم يعطون أنفسهم فرصة نقد لهذا العالم، فهؤلاء هم الأخس في التاريخ، والعاملون نوعان: فمنهم من يمتلك روح المبادأة والمبادرة ومنهم من يعمل ضمن حدود المكرر والمعاد، فالآخرون عاجزون عن التطوير والتنفيذ، وليس لهم مكان في عملية البناء، والذين يمتلكون روح المبادأة والمبادرة قسمان: فمنهم المتهورون المغامرون، ومنهم الحكماء المتأنون، فهؤلاء وحدهم هم البناة، ومع ذلك فالخسائر لابد منها، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم البناة في تاريخ البشرية أصيب في الرجيع وفي بئر معونة ترى ماذا يقول القاعدون في قيادة حالية تخسر مثل هذه الخسارة؟! ألا إن درسي الرجيع وبئر معونة عزاء للقادة ورد أي رد على القاعدين.
٣ - وفي أمره عليه الصلاة والسلام لزيد بن ثابت أن يتعلم اللسان العبراني إشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يشغله شيء عن شيء، فبناء الأمة لابد أن يكون على ضوء خريطة شاملة، وهذه الخريطة ينبغي أن يلاحظ فيها احتياجات الأمة فإذا كان المهندس مكلفاً أن يوجد خريطة تسع الزمان والمكان فما أصعب مهمته، وإنك لتجد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ذلك المهندس، الذي لا يغفل عن احتياج من احتياجات البناء بما يسع الحاضر وبما يستوعب المستقبل.