وهناك تجلت عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم وشجاعته المنقطعة النظير، فقد رفع صوته ينادي أصحابه: عباد الله، وهو يعرف أن المشركين سوف يسمعون صوته قبل أن يسمعه المسلمون، ولكنه ناداهم ودعاهم مخاطراً بنفسه في هذا الظرف الدقيق، وفعلاً فقد علم به المشركون فخلصوا إليه، قبل أن يصل إليه المسلمون.
[تبدد المسلمين في الموقف]
أما المسلمون فلما وقعوا في التطويق طار صواب طائفة منهم، فلم تكن تهمها إلا أنفسها، فقد أخذت طريق الفرار، وتركت ساحة القتال، وهي لا تدري ماذا وراءها؟ وفر من هذه الطائفة بعضهم إلى المدينة حتى دخلها، وانطلق بعضهم إلى فوق الجبل، ورجعت طائفة أخرى فاختلطت بالمشركين، والتبس العسكران، فلم يتميزوا، فوقع القتل في المسلمين بعضهم من بعض.
وهذه الطائفة حدث داخل صفوفها ارتباك شديد، وعمتها الفوضى، وتاه منها الكثيرون، لا يدرون أين يتوجهون، وبينما هم كذلك إذ سمعوا صائحاً يصيح إن محمداً قد قتل، فطارت بقية صوابهم، وانهارت الروح المعنوية أو كادت تنهار في نفوس كثير من أفرادها، فتوقف من توقف منهم عن القتال، وألقى بأسلحته مستكيناً، وفكر آخرون في الاتصال بعبد الله بن أبي - رأس المنافقين - ليأخذ لهم الأمان من أبي سفيان.
وكانت هناك طائفة ثالثة لم يكن يهمهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كرت هذه الطائفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل التطويق في بدايته وفي مقدمة هؤلاء أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب وغيرهم رضي الله عنهم، كانوا في مقدمة المقاتلين، فلما أحسوا بالخطر على ذاته الشريفة - عليه الصلاة والسلام والتحية - صاروا في مقدمة المدافعين.
[احتدام القتال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم]
وبينما كانت تلك الطوائف تتلقى أواصر التطويق، تطحن بين شقي رحى المشركين، كان العراك محتدماً حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أن المشركين لما بدأوا عمل التطويق لم